شعب الله.. ‘المحتار’!

وسط الصراع على غسيل مخ المشاهد والمتابع، من أكثر من مصدر، ونتيجة لعقود من عدم مصداقية وسائل الإعلام المحلية، تتجاذب الناس رؤى مختلفة ومتباينة تتحول في أحيان إلى مواقف ضدية!، الفئة الأولى ترى أن الحرب على العراق هي عدوان سافر بهدف الاستعمار والاحتلال وفرض الوصاية على شعب ومقدرات هذا البلد، ومن ثم المنطقة، وأن الوصاية ستكون سياسية واقتصادية وثقافية، وأنه يجب مقاومة هذا السطو المسلح، الفئة الثانية تعتقد أن أمريكا تريد فرض الديمقراطية على العراق وصناعة نموذج في المنطقة يؤثر على جيرانه في نفس الاتجاه، وأنها ستخرج بعد أن يستتب الأمر للحكم العراقي الجديد، ولابد من القبول بسقوط ضحايا وتفضل عدم الكشف عن صورهم وعددهم، للوصول إلى ذلك الهدف.. السامي!، وهؤلاء يحاولون وصف العدوان على العراق بأنه تحرير يماثل حرب تحرير الكويت!، فئة ثالثة لا تخوض في التفاصيل تنتقل بين هذه وتلك، لكنها تعتقد أن المنطقة بحاجة إلى تغيير وتأمل بل تحلم أن يكون تغييراً إلى الأفضل.
هذه التيارات هي الغالبة على الساحة العربية، وهي تشير إلى أن شريحة مهمة من الرأي العام العربي أصبح لديها قبول للاستعمار!، ولم تعد تستفزها أو تحرك نخوتها جيوش الغزو لمجرد إطلاقها وعوداً زائفة، وسبب هذا المناخ الخصب للأجنبي الغازي هو سوء تقدير الأنظمة العربية لرأيها العام وعدم وجود الحد الأدنى من المصداقية تجاهه.
وحتى نعرف النوايا الأمريكية الحقيقة، غير المعلنة، لنعد إلى تاريخ غير بعيد، إلى حرب تحرير الكويت، في تلك الحرب كانت هناك قضية عادلة احتشد لها العالم، واندهش الكل من توقف قوات التحالف في جنوب العراق، والسماح لنظام صدام بسحق بشع للمعارضين.
أعتقد أن هناك اتفاقاً على أن الإدارة الأمريكية في عهد بوش الأب لا تقارن على الإطلاق بالإدارة في عهد بوش الابن، كانت أكثر حكمة وخبرة وقدرة، تلك الإدارة سمحت في قضية عادلة مثل تحرير الكويت بوقت كافٍ للدبلوماسية، لكنها مع ذلك لم تستثمر قوة الحق تلك وتسقط نظام صدام، لأسباب لم تكشف عنها، قد تكون ببساطة، كما يقول رجل الشارع، تناسيه بعض الوقت للعودة إليه وجعل جيرانه في حالة حاجة دائمة لهم، جاء كلينتون وانشغل بملف آخر، وعندما وصل بوش الابن وضربت نيويورك، قام باسقاط دولة طالبان، ثم تحولت الأنظار فجأة وبسرعة وسخونة إلى العراق، لأسباب متنوعة ومعروفة، دقت طبول الحرب منذ البداية ولم تترك فرصة للنظام العراقي الذي قدم تنازلات تاريخية تشير إلى استفادته من تجربة 1991م.
ما الجديد؟، هل يقوم الابن بتنفيذ وصية الأب؟. هل ندمت الإدارة الأمريكية على توقف قواتها في عام 1991م، فتحاول الآن إصلاح ذلك الخطأ، لا أتصور، الحقيقة أن الولايات المتحدة في تلك الفترة لم تكن تعيش جنون العظمة، كان في إدارتها كثير من الخبراء الذين لا تنقصهم الدراية والحصافة، وهو نقيض ما تتكون منه إدارة بوش الابن الحالية، وحتى تصميم هذه الإدارة هو تصميم أهوج، وهي فاقدة للياقة لم نتعودها من الساسة الغربيين، إنها تريد اصطياد غراب وسط سوق شعبي مكتظ بصاروخ كروز، وتبشر بالحرية والديموقراطية وسط برك دماء الأطفال، وتحتج على ظهور صور قتلاها الذين قدموا بسلاحهم أصلاً لممارسة القتل، ديموقراطية الولايات المتحدة في داخل أراضيها فقط يحكمها الدستور، وفي الخارج لا ترى إدارة بوش الابن دستوراً يحكمها، حتى الحد الأدنى الذي تمثله هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن لم تتحمله “ديموقراطية” إدارة بوش الابن، لهذا لن تقدم ديموقراطية لأحد، بل ستظل إدارة بوش – رامسفيلد تتخبط على جثث الأبرياء بحثاً عن قاتل أصبحت أكثر وحشية منه، وحولته برعونتها إلى بطل.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.