لم يجف حبر بيان منظمة الصحة العالمية المحذر من تأثر الصحة العقلية جراء الأزمة المالية حتى بدأت الأخبار تتوالى، قتل وانتحار في أكثر من بلد، «تحويشة العمر» تتبخر، والمقبل ربما أسوأ، الموجة حتى الآن لم تصل إلى قاع المجتمعات.
تجاوزت آثار سياسات إدارة الرئيس جورج بوش… غير المسؤولة، أحادية الجانب، وإصراره على أن من لم يكن معه فهو ضده، لتعم بتداعياتها الجميع. نعم الجميع، حتى أقل الناس شأناً وأهمية سيطاوله الأثر. أكملت الفوضى الخلاقة حلقاتها لتنفجر دورة المال، واللافت ان أول الداعين لإعادة النظر في النظام المالي العالمي هم من حلفائه، من بينها دعوات رئيس الوزراء البريطاني غوردن براون التي لم «تعبرها» الإدارة الأميركية حتى الآن.
وإذا كان العرب، لاسيما خلال حقبة الحرب على الإرهاب، اضطروا للاستكانة لانشغالهم بأنفسهم، وشكّل لهم ما آل اليه العراق صدمة وذهولاً سياسياً، فإن الارتباك الذي يعيشه العالم الآن، ربما يكون فرصة جيدة لإعادة لمّ الشمل وتدارس إمكان الاستفادة من النوافذ التي أحدثتها الأزمة في سور الهيمنة الأميركية. دول الخليج لديها الإمكانات للاستفادة وللعبر، يمكن النظر إلى ما فعلته وتفعله أوروبا، إذ ان شغلها الشاغل الآن إصلاح أحوالها الاقتصادية الداخلية، كل دولة على حدة، على رغم الصورة الإيجابية التي كانت تعطى للاتحاد الأوروبي، كنموذج وحدوي متقدم، خصوصاً في الجانب الاقتصادي، لاحظ المراقبون مؤشرات التفكك، وقبله رفع الصوت ضد سياسات «القائد» الولايات المتحدة الاقتصادية والتركيز على انها السبب الأول لما حدث وتداعياته.
ومع أخذ الأسباب الفنية المالية للأزمة في الاعتبار، فإن الفشل ليس في الواقع مالياً بالدرجة الرئيسة، بل هو فشل سياسي أدى إلى أزمة مالية للترابط العضوي بينها، فشل قادته السياسة الخارجية الأميركية غير المسؤولة. وأول من يُسأل عنه المحافظون الجدد.
الوقت الآن مناسب لرفع الصوت مقروناً بالعمل لإصلاح النظام السياسي العالمي، وتعظيم دور هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن فيها سياسياً، بعيداً من هيمنة الكبار نحو هدف منشود يكون فيه العالم أقل ظلماً. أما اقتصادياً فإن الاعتماد على الذات وصنع التجارب المحلية – من دون تأثير من مؤسسات دولية يطالب الآن من صنعها بإصلاحها – هما أفضل السبل.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط