استباحة بغداد ومدن عراقية أخرى لأيام، وحراسة النهب والتدمير لم تأت من فراغ، هناك رسائل ضمنية أمريكية وسط هذا التصرف، التبرير الأمريكي الرسمي على لسان رامسفيلد والمتحدث باسم البيت الأبيض، قال ان هذا نتيجة للكبت الذي تعرض له العراقيون من نظام صدام، وانهم يشعرون الآن بالحرية.
أمر عجيب، هل كان الكبت كبتاً للصوص والسراق؟! هل كان الكبت منعاً للاعتداء على الحرمات؟، هل هذه هي الحرية التي تنشدها أمريكا وجاءت لتقدمها، ومن المضحك المبكي ان يبرر الذين أطلقوا على الغزو تحريراً “من العرب” هذا التصرف من القوات الأمريكية انه أمر طبيعي، احدى الفضائيات العربية المبشرة بالتحرير أكدت في أخبارها بداية جولات الدوريات والشرطة العراقية والنهب لازال يبث على الهواء مباشرة، في “صحافية” أكثر من الصحاف نفسه، لكن فضائية اخرى نقلت على لسان مواطن عراقي شريف قوله إنه سمع عسكرياً أمريكياً يقول للصوص “اذهب علي بابا.. اذهب”، إلى النهب طبعاً.
بغداد بالنسبة للامريكي هي علي بابا والأربعين لص، اللص الصغير صدام سلمها للآخرين، هذا الأخير قام بتأمين ما جاء لأجله “آبار النفط”، أما الحرق والنهب، فيجب ان يستمر حتى تزداد العقود والمشاريع، ويتم إرسال رسائل منها، واحدة للشعب الأمريكي تقول ان من جئنا لتحريرهم.. هم هؤلاء فلا تلومونا غداً إذا ما فعلنا ما “يجب”! لإحلال الأمن والاستقرار، الرسالة الثانية للقاعدة العريضة من الشعب العراقي تقول شاهدوا ما سيحصل إذا لم نتدخل؟، إذا أردتم الأمن فاخنعوا لنا، الرسالة الثالثة تهديد مبطن للحكومات والمجتمعات العربية الاخرى مما قد يحصل لها إذا ما فكرت في رفض أفكار إدارة بوش، الرسالة الرابعة للعالم تقول هؤلاء هم العرب والمسلمون!؟..
الشرفاء العراقيون الذين ذرفوا الدموع أمام الكاميرات، على هذا الوضع وحاول بعضهم منع التصوير قائلاً ان هؤلاء ليسوا العراقيين، نقول صدقتم هؤلاء لا يمثلون العراق، وفي كل مجتمع لصوص يتمنون انهيار القانون، أما هؤلاء اللصوص فهم صنيعة القوات الغازية، لا يعبرون في الواقع سوى عنها، ومثلما تسلح بعض منهم بسكين أو مسدس تسلح الغزاة بطائرات الأباتشي والدبابات، وفشلهم في تحقيق الأمن والاستقرار ولو لعدة ايام، هو فشل لمنطق قوة التدمير، التي لا يمكن ان تتحول إلى قوة أمن.
“ماكو أوامر” كان من الممكن ان يقولها الجندي الأمريكي لو أجاد اللهجة العراقية، وإذا كانت الكاميرات نقلت لنا النهب والحرق فهي لم تنقل انتهاك الأعراض والقتل، وحقيقة لابد من التأكيد عليها ان أفراد الشرطة العراقيين هم من بادر وخاطر بمحاولة التوجه لأداء أعمالهم، كان على المحتل وهو المنتشي بنصر على دولة من العالم الثالث محاصرة منذ أكثر من عقد، أن يمنع التجول لو أراد، لكن تشجيع ما حدث يرضي شيئاً في نفوسهم، وهو وصمة عار في جبين القيم الأمريكية، وتمثال الحرية الأمريكي لم يعد يحمل في يديه سوى آبار بترول، أما وزير الدفاع الأمريكي الذي يدير السياسة الأمريكية ومعه نائبه، فكأن لديهما ثأراً شخصياً، لا تخطئه العيون..، مبروك سيد رامسفيلد لقد عبرت عن ما في نفسك، كأني أسمع صوت تصفيق حاد يأتي من تل أبيب.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط