سالت على إثرها ‘الوديان والشعبان’

الشعبان جمع شعيب، “ليس لها علاقة بالمطرب شعبان عبدالرحيم، لو كان الأخير موجوداً في الرياض يوم الاثنين الماضي لخرج علينا بطقطوقة يقول مطلعها” خليك في بيتك أحسن”
ذاك اليوم كان موسماً للسطحات والونشات، بسبب تعطل وغرق السيارات، أصبحت السيارات دمى حديدية عديمة الفائدة.
والسبب أن صحة الأودية والشعاب في المدن متردية، لقد وجدت تلك الأودية معوقات معمارية، سدتها مثل الجلطات الكبيرة، و”الشعبان” تململت بعد أن تم دفنها، كل هذا لأجل سواد عيون مخططات، لم يقف أمام تمددها واد مهما كان صاحب حق قديم، قمنا بالتعدي على عروق وشرايين الأرض، تناسينا ما لها من حق علينا، لهث المهندسون وراء العقاريين، كل واحد منهم يحمل متراً في يده وختماً في جيبه، وأصبح “التمتير” سيد المكان، ولأن لدينا عقدة الأرض المنبسطة، قررنا أن نبسطها بسطاً، تم ذلك على بساط عقاري، فقام مهندسونا الأشاوس بتقليد “المبلطين” في حدود الميول .
لكن للأرض طرقها الخاصة التي بنتها منذ ملايين السنين ، وهي وإن تنازلت عنها مرغمة ومؤقتا، فإنها تحرص كلما استطاعت على استعادتها، بل و تعيد تعبيدها بين عاصفة ممطرة وأخرى، لهذا تتكرر حوادث مخرج 13الشهير، يتبدل اسم المكان فقط ورقم المخرج،.. المحرج للأمانات والبلديات والمهندسين، لابد أن كل عاصفة تذكرهم بما فرطوا به بعد أن ذهب العقاري ومن بعده المقاول بالأرباح بعيدا .
لدينا شهية كبيرة للأرض “المنبسطة” التي يصفونها دائما عندما يسوّقونها بأنه مثل “راحة يدك”، ولو توقفت ودققت النظر في راحة يدك لوجدت أنها غير منبسطة أبداً، بل فيها ما فيها من أخاديد وعروق وشعاب، شكلت مرونتها، هذا الهوس بالانبساط، جعل مدننا الكبرى مدناً مسطحة ليس للوجه الجغرافي الأصلي فيها حضور، كأننا نبحث عن سطوح كنا ننام على أرضها.
الإضرار بالأرض لم يأت من دفن الوديان والشعبان فقط ، بل عملت “الدقاقات والكمبريشنات” عملها في هدّ التلال والجبال، لم يستطع المهندسون أن يستثمروا الوجه الجغرافي الطبيعي جمالياً، بل طمسوه بالدفن والتسوية، ولم يقتصر الأثر على الجمال وتنوع المستويات، ولا في تشابه الأحياء التي تحولت إلى نسخ مكررة، بل أدى إلى استحداث مواسم لأزمات واختناقات، كنا بغنى عنها، ويدفع ثمنها كثير ممن تورط وأشترى أرضاً كانت منخفضة، لأن الأرض لا تعترف بالصكوك، هي تريد أن يصل دمها.. الماء إلى أقصى شرايينها، لذلك يخاف الناس من رشة.. مطر!، ويحسبون لها حسابا كبيرا، رغم أنها أطيب من رشة عطر.
ولو قدرت الخسائر المادية التي تحدث في عواصف مثل عاصفة يوم الاثنين الماضي لربما أوجعنا الرقم، هذه من ميزات عدم توفر الأرقام!، وقد تكون من مسببات تراجع علم الإحصاء في بلادنا؟، و لدينا مبدأ يكفينا عن هذا كله، كل واحد يصلح سيارته، وبين المشتري والبائع يفتح الله.
ولأنه لا يمكن التنبؤ بما قد يحدث، وخوفا مما هو أخطر على الأرواح والممتلكات فإن “الرياض المدينة” بحاجة لإعادة النظر في أوردتها التي دفنت، بحاجة لاستنباط حلول، وحتى لا تحصل كوارث مستقبلاً، لا سمح الله.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.