“ضب بيني وبينك”

الصورة المختزنة في ذهن المواطن عن الشرطة أنها مشغولة بأهم مما يشكو منه، ويمكن ضرب مثال على ذلك، يأتي المواطن للتبليغ عن سرقة سيارته فيقال له كم فيها من أفراد العائلة!!، وعندما يجيب أنها فارغة يقال له : أنت أحسن من غيرك!،
اهتزت هذا القناعة بسبب خبر طريف نشرته “الريـاض”، الشرطة اهتمت بشكوى مواطن ضد أخر يتهمه فيها باستخدام حيوان الضب لترويعه، فقد “شهر” عليه الجاني ضباً!، وحرر محضرا بالحادث، وتم توقيعه على تعهد، لم يوضح الخبر فحوى المحضر هل عتبر الضب من أسلحة “التخويف” الشامل؟، كما لم يشر الخبر إلى مصير الضب وهل تمت مصادرته، يبدو أنه في ضيافة الزميل مناحي الشيباني.
جانب هام يضاف إلى اهتمام المخفر بالشكوى، الذي أعتبره تطوراً، أن الشرطة لم تصف أحدا من طرفي الحادث بأنه من غير الأسوياء!، هذا أمر جميل ورائع، تعودنا من الشرطة الإشارة إلى بعض أبطال الحوادث بأنهم من غير الأسوياء.
أعود إلى الضب، هذا الحيوان الصغير المسالم يمكن لواحد منه، صغير بحجم الكف أن يكون سلاحا دفاعيا مفيدا، الأطفال الأشقياء استخدموه، في زمن مضى، ضد بعض العمال العرب، وكان له مفعول السحر، وهو أقوى من العصا الكهربائية والبخاخات الدفاعية، يترك لك مسافة سلامة مناسبة بينك وبين الخصم، ثم إنه لا يحتاج إلى “تذخير” أو شحن، وليس له آثار جانبية، إنه غير مضر بالمرة، لو كنا في مجتمع آخر لاستفادت منه السيدات للدفاع عن أنفسهن ضد المعاكسين وسائقي الليموزين، يضعنه في حقائبهن بعد أن يتجانسن معه، النساء لا يعتبرن الضب حيواناً مخيفاً بل قبيح،هن يقلن هذا، ومن “كيدهن” الإيحاء بعدم اجتماع الجمال مع القبح!!، أو النعومة مع الحراشف، لكن الأمر ليس بهذا الشكل بعضهن يضعن من الأصباغ والوشوم ما يتفرد بقبحه، على المدى القصير والطويل.
مشكلتنا هي في نظرتنا الدونية لأشيائنا ومكونات بيئتنا، أمهات هذه الأيام لو شاهدن أولادهن على بعد كيلو متر من ضب ضائع لهتفن بهم.. “كخ”، أو.. تمساح حسب النكتة المشهورة. لكن مثل هذه الأم لا تمانع أن يجلس ابنها أمام التلفزيون ويشاهد عائلة أمريكية يربي ابنها المدلل الفئران البيضاء وحيوان الراكون وكلها قذرة وخطرة،لكنهم أطفال “ستيت”!.
الضب على قبحه، وبرودة دمه، حيوان مسالم صبور أنا أشهد له بذلك، وحكيم أيضا.. التراث يشهد له بذلك، كما أنه لا يحتاج إلى عناية أو رعاية، يصلح تماما للعائلة السعودية!، وهو غير مزعج فلا صوت له، أتركه في حاله فقط وسوف تجده، كأنه لعبة حية. يتحمل من البشر أكثر مما تتحمله أنت من الرسوم.
أول ما قرأت عنوان الخبر تصورت أن تدخل الشرطة هو بغرض حماية الضب، أعرف أن الشرطة في خدمة الشعب وليس الضب، لكن الأخير لديه برنامج للحماية من الانقراض، هذا يقودني للإشارة إلى أن الضب الذي يمشي على اثنتين ومن غير عكره، بحاجة إلى الحماية، نعم مؤكد أنه ليس مهدداً بالانقراض من حيث الكم، أما من حيث الكيف فهو أمر وارد.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.