جس الطبيب

لم يعد الطبيب يجس القلب والكبد والمعاليق بل تخصص في جس المحفظة، المحافظ والجيوب هي الغاية التي تبرر التحاليل وفتح الملفات، صار التخصص الدقيق ينحصر في استئصال تورمات الجيوب، كنا مخطئين نعلق اللوم على بعض الأطباء الأجانب فجاء السعوديون وإذا بهم ليسوا بأفضل حالا ، إلا من رحم ربي، وأصبح لدينا أطباء تجاريون وتقليد مثل قطع الغيار، ولأنه لا يوجد وكلاء معتمدون لا نقرأ إعلانات توعية وتنبيه عن المقلد والتجاري وما يشكله من خطر.
صديقي ذهب بابنته الصغيرة إلى طبيب جلدية اشتهر لأن والده كان معروفا، الطفلة تشكو من حساسية وسبق أن دار بها على عيادات ومستشفيات، دفع الأب الرسم المعلوم ، ولأنه أطيب مني ومن كثير من القراء ،أستثنيك منهم أنت بالذات عزيزي القاري، لأنه كذلك فقد قابل الطبيب وقدم له ملف التحاليل السابقة لقطع الطريق على تحاليل لاحقه، واشترط عدم صرف دواء يحتوي على الكورتيزون للطفلة ، لآثاره الخطيرة، …الزبدة أنه قال له: عندك دواء آخر أو أعد لي نقودي! .
الطبيب طمأنه ثم صرف لها دواء فيه كورتيزون خفيف نهارا ومرتفع التركيز ليلا!!، لأن الليل ستر، ستر الله على من يدور الستر، ولأن صديقي أفضل مني ومن كثير من القراء ،ماعداك أنت عزيزي القارئ، فقد رفض العلاج ونشب في حلق الطبيب حتى أعاد له نقوده، صفقت كثيرا لصديقي وبان لي مدى ضعفي وضعف الكثير أمام دهاليز الأطباء.
جاءنا زمن فيه افتخرنا بالأطباء السعوديين وعج الإعلام بأول عملية من نوعها و أكبر ورم مستأصل وأحدث جهاز في العالم، بعد استغلالنا لصيغة أفعل لإبرازهم فعل بنا الأطباء..” الأفاعي..ل”!.
فماذا فعلوا؟،
فتحوا عيادات ومراكز ومستشفيات تشبهوا فيها بالجرابيع،كل عيادة لها أكثر من باب وغرفة يجهز فيها أكثر من مريض في الوقت نفسه لصاحب الطبابة الذي يقفز هنا وهناك لضرب رقم قياسي في مسح الملفات وإعادتها للأدراج .
أصبح الأطباء أكثر اللاهثين وراء المادة في مجتمعنا، الصغار منهم يحلمون بمراكز أو مستو صفات، والكبار يجمعون ولا يشبعون، وقبل أن يأتي مدافع وينصب لي المدافع ،أسأل سؤالا واحدا بسيطا: هل يذكر أحد منكم أن طبيبا سعوديا من المشاهير أو أنصافهم وحتى أرباعهم قام بتخصيص يوم واحد في عيادته أسبوعيا أو حتى سنويا للمرضى الفقراء والمساكين ومعالجتهم بالمجان؟، أتحدى!، وأرجو أن لا يخرج أحدهم ليقول أن هذا يتم بالسر،”كثر من بطيخ السر”، المجاني يأتي في مجتمعنا “المتكافل”! في الكشف الذي يستخدم سنارة صيد لطريدة ينوي جلدها ونهب جيوبها حتى ولو كانت تشكو من الجيوب الأنفية، انظر ماذا يفعله بعض كبار أساتذة الطب في مصر، إنهم يخصصون أياما، كل أٍسبوع!، للفقراء والمساكين وينسقون مع الجمعيات الخيريةلتحول لهم المحتاج. عندنا أصلا لا يفتح الأطباء عياداتهم ومراكزهم سوى في أحياء محددة،بحثا عن المحافظ، يا حافظ يا حفيظ.
هذا المقال مهدى لصديقي “أبو محمد” الذي يعكف حاليا على إعداد كتاب بعنوان ” كيف تتعامل مع الأطباء دون الإصابة بوباء”.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.