خارج نطاق المساءلة

من المهام الرئيسة لوزارات النقل فتح الطرق وإنشاء «عبارات» قنوات السيول بما يحفظ أمان وسلامة حياة مستخدميها، بمعنى أن أساس عمل الوزارة هو تواصل البشر مع بعضهم بعضاً بيسر وسهولة، في الوقت الذي تجري فيه السيول في قنواتها من دون إحداث أضرار. أول من أمس اكتشفتُ أن لدى وزارة النقل السعودية مهمة أخرى استثنائية وهي سد عبارات السيول للمنافع الخاصة. ولمن لم يطلع، أحدثت السيول في محافظة في منطقة عسير أضراراً لأن قناة تصريف تم سدها جبراً من أجل خاطر مسؤول سابق تحول إلى رجل أعمال. وفي الحادثة المخزية التي نشرت عنها «عكاظ» وأدت إلى فقدان أطفال في حفر وتضرر منها مواطنون، يتضح أن المسؤول الحكومي يستطيع وهو على رأس العمل تنفيذ عكس ما يملي عليه واجبه من دون مساءلة، إلى أن تحدث كارثة ويهتم بها الإعلام.
وزارة الزراعة سارعت إلى نفي علاقتها بالأمر، أما المشتبه بمسؤوليتهم فلم يسارعوا إلى شيء. حضر مسؤولون ليس من بينهم مدير فرع وزارة النقل.
لا أذيع سراً. هناك انطباع عام يشير إلى أن المسؤول الحكومي لا يساءل، خصوصاً إذا ما أصبح سابقاً، أما وهو على رأس العمل فإن المساءلة تأتي من داخل البيت الوظيفي، لجان داخلية تنتهي بـ «حب خشوم» أو خطاب لفت نظر، إذا تصاعدت القضية يمكن كف يد المسؤول عن العمل موقتاً إلى حين انتهاء التحقيقات، ولا يذكر أنه ظهرت في الإعلام مساءلة مسؤول حكومي سابق، ولا في القطاع الخاص أيضاً، في حين أن الأخير يمتاز بنموذج خاص اسمه إبراء الذمة.
لكن مجريات عمل لجنة تقصي الحقائق في كارثة سيول جدة وما نشر عنها فتحت الباب على مسؤولية لاحقة كان مسكوتاً عنها، وللعلم لمن لا يعلم – أكرر – أن هناك انطباعاً عاماً بعدم مساءلة المسؤول الحكومي عن أعماله، يزداد الانطباع قوة ورساخة كلما ارتفع مستوى الوظيفة، ويدلل عليه بفلان وعلان من أبطال قضايا شهيرة، وهذا ما يفسر أحوالاً نعيشها ودوامة ندور وسطها في حفلة «زيران» أو زار لا تنتهي سوى بفقدان الوعي.
ستصمت وزارة النقل وإذا وصل إليها خطاب فسترد عليه «بالإشارة إلى»، وميزة عمل هذه الوزارة أنه منتشر في أصقاع بلاد مترامية الأطراف ولو فتشت لوجدت أكثر من عبارة مقفلة أو تم أكلها، وطريق سيئ التنفيذ، أو نفق يكاد يتهاوى… منها واحد في الرياض يسند بأعمدة حديدية كل شهرين.