أطلق عليها في بلادنا.. السعودة وفي سلطنة عمان التعمين أما في قطر فهي.. التقطير!، تلك هي سياسة إحلال العمالة الوطنية محل المستوردة أو الوافدة والاسم الأول أصح في نظري، حيث تم جلبها من الخارج بتأشيرة، وهذه الجزئية البسيطة تبين الخلل في عدم نجاح إجراءات الإحلال بما يتواكب مع الضرورة الماثلة أمامنا، كرة الثلج تكبر بسرعة أكثر بأضعاف مضاعفة من عملية إذابتها وتصريفها، ولا تكفي القرارات وحدها، والمشكلة ان تطبيق إحلال العمالة الوطنية بصورة جامدة يؤثر سلباً على الاستثمار في الداخل سواء كان استثماراً وطنياً أم أجنبياً، فلا يمكن مثلاً ان يطلب من صاحب مخبز ان يسعود الخباز إلاّ إذا توفر الأخير، وليس من المنطق ان يتم الاصرار على الطلب جهلاً بعدم التوفر، وأحد أكبر المشاكل التي تواجه الإحلال هي ضعف قاعدة المعلومات وتضاربها واعتمادها على ما تقدمه المنشآت نفسها، ومن المحمود ما تابعناه في أسواق الخضار إلاّ أنها في الحقيقة جزء يسير من خطام البعير، وهي إعلامياً عمل ناجح فهي واجهة من الواجهات، لكن مهرجان نجاحها أخفى كثيراً من المواقع التي يجب ان تليها ان لم تسبقها.
ولا أحد يرفض السعودة، الكل.. إعلامياً وعلى شاشات التلفزيون وفي طيات الصحف يؤيدها وينادي بها، لكن عند التطبيق يختلف الأمر، فذاك الهدف الكبير العام الذي فيه مصلحة المجتمع على المدى البعيد يتراجع لأسباب صغيرة، أقرب ما تكون إلى الشخصية، وهناك انطباع لدى شريحة مهمة ممن تحت أيديهم بعض الوظائف ويملكون التأثير على القرار فيها، لديهم قناعة ان السعودة خطر عليهم وعلى مواقعهم وان هؤلاء القادمين الجدد سيحتلون مناصبهم، لذلك هم يفضلون العمالة المستوردة فهي أسهل إدارة ويمكن الاستفادة من مهاراتها وتطويعها حتى لو لم تكن موجودة أصلاً، لا أحد يعلن هذا السبب الحقيقي فالتحجج يأتي دائماً لأسباب عامة تتعلق بالخبرة والتخصص، ولست من مؤيدي السعودة لأجل السعودة فليس الغرض هو ذاك لأن النتائج ستكون مخيبة للآمال، لكن لو راجعنا مثلاً اشتراطات الدخول إلى مجال الأعمال الخاصة الصغيرة التي يمكن ان تستوعب أعداداً مهمة من المواطنين الشباب سنجد أنها مجحفة وغير مناسبة بل إنها عائق أمام سياسة الإحلال، وإذا أضفنا لها عدم توفر القروض الميسّرة للشباب علمنا علم اليقين ان لا مجال أمامهم سوى البحث عن وظيفة حكومية بالدرجة الأولى وخاصة ثانياً، في مقابل هذا نجد أنه وخلال زمن يسير تتغير العمالة المسيطرة على نشاطات تجارية معينة من جنسية إلى أخرى، مما يعني ان هناك قنوات أو معابر يتم ذلك بواسطتها، وإذا أردت الدليل فاذهب إلى سوق البطحاء بالرياض لتجده، فإذا كنت زرته قبل سنوات ستلاحظ التغيير، وهذا يتم تحت سمع وبصر الأجهزة المعنية ومن بينها وزارة العمل.
من جانب آخر السعودة لدى البعض هي حكاية يمكن من تحت عباءتها التنظير أو التحول إلى “حكواتي”، وقبل مدة كتبت مقالاً عن حالة شاب سعودي مضى عليه سبع سنوات وهو يحمل شهادة البكالوريوس من غير ان يجد عملاً، ونتيجة للمقال اتصل بي أكثر من شخص للمساعدة فيما ظهر لي وقتها، إلاّ ان النتائج أثبتت العكس كان هدف أغلبهم معرفة الحكاية وهل هي صحيحة؟، ثم وضع شروط صعبة للقبول بالتوظيف.
أحدهم استقبل الشاب في مكتبه وأجلسه ثم تناول الهاتف واتصل على فلان قائلاً: تصدق المعلومات اللي في المقال صحيحة؟ هذا الرجال عندي في المكتب الحين.. تصدق أنه كذا وكذا.. إلخ!؟، وطالب الوظيفة جالس يستمع بمرارة وقهر إلى حكايته، التي صارت تروى ثم أحالة بعد استنفاد طعم الحكاية إلى مكتب آخر الذي أحاله بدوره إلى باب الخروج.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط