اعترافات

لو كان رامسفيلد من ساسة العالم الثالث لربما شاهدنا صدام حسين آخر، بل إنه سيتجاوزه في عدوانيته وإصراره على الخطأ. كل أسبوع نرى اعترافات من مسؤولين في الإدارة الأمريكية عن أخطاء ارتكبت في العدوان على العراق والعالم الإسلامي، آخرها اعترافات وزير الخارجية الأمريكي، مروراً بذهول الرئيس بوش عن صورتهم في أذهان المسلمين، لكنهم وهم يعترفون بهذه الأخطاء يستمرون في اقتراف أخطاء أكبر، مثلاً بريمر الذي يدعو للديمقراطية يعلن أنه من حق دولة العدوان الصهيوني الاستثمار في العراق، فهل سأل الشعب العراقي عن رأيه في هذه المسألة، إنها “الديموقراطية متى ما رغبنا”، لكن تلك الاعترافات ليست موجهة لا للشعب العراقي المغلوب على أمره ولا للأمة العربية ولا الإسلامية، بل هي موجهة للشعب الأمريكي، أن يقول المسؤول أخطأ أفضل ألف مرة من أن يكتشف أنه كذاب، الديموقراطية هناك داخل الولايات المتحدة الأمريكية، أما خارجها فتتعامل الإدارة الأمريكية مع العالم الإسلامي خصوصاً بدكتاتورية لا تختلف عن أسلوب صدام حسين في الحكم.
هذه الاعترافات لا تخلو من فائدة، الساسة في الدول الغربية وبسبب المحاسبة والانتخابات يخضعون للمساءلة، لهذا لا تتراكم الأخطاء، أخطاؤهم في حق مصالحهم وليست مصالح الآخرين، في حين تئن دول الشرق والعالم الثالث بالذات، تحت تراكم عقود من الأخطاء، هذا التراكم هو الذي جعل هذه الدول فريسة سهلة للولايات المتحدة، لو كان هناك مساءلة لصدام حسين لربما أوقف عند أول خطأ، أنظر أين هو الآن وإلى أين وصل العراق وشعبه، هذه المكابرة سمحت للأجنبي بالتدخل، بل أوجدت له جنوداً في الداخل فشاهدنا، في حالة العراق، بعضاً من أعضاء مجلس الحكم “الانفعالي”!، يتحولون إلى أبواق. مكبرات صوت للتحالف، يلقون تبعات فشل الاحتلال في إحلال الأمن على دول الجوار، يتم هذا في نفس اللحظة التي يطالبون فيها بالقروض وإلغاء الديون. وفي الاستجابة لهذا المطلب الأخير، تفريط وتكريس للاحتلال، بل ومساهمة في إنجاح خطط رامسفيلد ونائبه المستقبلية.
في مقابل هذه الاعترافات بالأخطاء الذي حذر منها كل العالم قبل وقوعها، يعترف العرب بأخطاء لم يقترفوها، فقط لأن الاتهامات جاءت من الخارج فيغلق مركز زايد لتتحول طالبة يهودية إلى بطلة قومية تحتفل بها المنظمات الصهيونية. هذا ما يتميزون به عنا.
وعندما يأتي الوقت الذي نعترف فيه بأخطائنا للداخل وننصت لأصوات الداخل مثلما يفعلون، ذلك الوقت تصلح أحوالنا لأن الأخطاء لن تتراكم، فتسد عليهم كل المنافذ، عندها لن يكون لصوت أو مجموعة احتضنوها أي تأثير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.