بين الفقراء والمستكثرين

مثلما تكثر الصدقات والزكاة في شهر رمضان المبارك، يكثر الفقراء ومن يدعي أنه فقير محتاج، وسبق لي ذكر أسلوب بعض الساعين إلى فعل الخير في التأكّد من صدقية حاجة الفقير أو الأسرة، بالسؤال والبحث الدقيق والاستعانة ببعض أهل الحي مثل الإمام أو المؤذن. كل هذا حرصاً على إيصال المال لمستحقيه، ولا شك في أنه جهد شاقّ، والأجر على قدر المشقة. وعلى رغم أني لا أخفي حيرة من مسألة التدقيق حتى لا تدخل في دائرة المنّ والأذى، إلا أنها مناسبة – قبل العيد – وفي الشهر الكريم أيام باقية لأهل الخير، لرواية مشاهدات رجل ثقة وقف بنفسه على حالات، قال إنهم سمعوا عن أيتام محتاجين فذهبوا إلى منزلهم فتبين وجود شباب لا يعملون.
وحال أخرى ادّعى أصحابها الحاجة وفي المنزل سيارة جديدة وأخرى نصف عمر، فأصروا على مقابلة الأب المقعد الذي طلب منهم بكل صراحة عدم دفع شيء لأولاده لأنهم بخير وغير مستحقين للزكاة. في المقابل وقفوا على أسرة أخرى من أم وثلاث بنات، لا يوجد في ثلاجة منزلهم سوى الماء، وباب المنزل في وضع سيء اضطروا لستره بقماش لعدم القدرة المادية على إصلاحه، وعندما سئلت الأم هل لديها أولاد قالت نعم وهم متزوجون إلا أنها لم ترهم منذ زمن بعيد وهي في شوق لرؤية أحفادها!. وفي مشهد ثالث بكت إحدى الجارات لأنها لم تكن تعلم أن جارتها أم المعوقين المتعففة في حاجة ماسة، فلا طعام في المنزل وأجرة «الليموزين» تستدينها من صاحب البقالة.
صور مؤلمة وأخرى تدعو للأسف. المؤسف أن يوجد شباب في عمر القوة والنشاط ولا يتورعون عن السؤال أو قبول الزكاة والصدقات. العمل لا ينحصر في البحث عن وظيفة، هناك مجال عريض للعمل الشريف والحصول على أجر مهما كان منخفضاً، والمسألة في المال ليست كثرته بقدر البركة فيه. وأذكر أن أحد المسؤولين عن الشأن الاجتماعي أخبرني عن دراسة أجريت على حالات إنسانية تنشر في الصحف لفترة معينة فوجدوا أن قرابة 70 في المئة هم من المستكثرين. مؤكد أنهم ليسوا أغنياء، لكنهم في تقدير المسؤول غير محتاجين.
واستدرك هنا لأشير الى أن مبلغ الضمان الاجتماعي لا يفي بأقل الحاجات مع جشع وتضخّم. ومن المؤسف أن نجد عقوقاً للوالدين أحدهما أو كلاهما، أناس انشغلوا بحياتهم وتركوا والديهم في أمسّ الحاجة وهم مكلفون شرعاً بإعالتهم، ومثل هذه الأوضاع لا ينفع معها الوعظ والتذكير.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على بين الفقراء والمستكثرين

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذي الحبيب ابو احمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
    جزاك الله خير يابو احمد والله يجعل ماكتبتم في موازين حسناتكم .. ولانزيد استاذي
    سوى اننا نقترح ان يكون لدى العمدة وامام المسجد والمؤذن وواحد من سكان الحي
    بيان متفقين عليه جميعا ان هذه الاسر او تلك تستحق الوقوف بجانبها ليس في رمضان
    فقط ولكن طوال العام والله يعينهم ويعين كل محتاج وشكرا

التعليقات مغلقة.