“مت يا فقير إلى حين الانتهاء من الاستراتيجية”، هذه عبارة مقترحة كشعار لصندوق الفقر، يضعها مع إعلاناته الخجولة لطلب التبرعات، ويظهر لي أن لهذا الصندوق من اسمه نصيباً “وافراً”، فهو صندوق للفقر وليس صندوقاً للفقراء، لذلك لا أستغرب أن تظهر منه أفكار فقيرة، ولن أصاب بالدهشة من أنه لن يحل فقرا بقدر ما يضيف جهازاً جديداً إلى أجهزة قديمة ثبت بالتجربة فشلها بامتياز.
كل هذه المدة الطويلة مرت على المكاشفة والتصريح على أعلى مستوى بحقيقة الفقر في بلادنا، بعدها يعلن عن “العزم” على دراسة تستمر سنتين ويمكن أكثر ويمكن أقل، حسب طريقة البعض المتأرجحة ،والتي نعلمها حق العلم .
ومثلما احتفلنا فترة زمنية طويلة بشهادات الدكتوراه، ثم بالدراسات العلمية “المتكاملة من كافة الجوانب”!…، نولع حاليا بوضع الإستراتيجيات، كلام كبير وضخم، لكن إذا تمعنت في محتوى حديث من يصرح به ترى فقرا في الأفكار لا يشير إلى أي استراتيجية حتى في التصاريح الاستهلاكية، ومثل هذه الاستراتيجيات والدراسات تذكرني بطيب الذكر “الدكتور” الذي لم يخجل، قبل زمن غير بعيد، من أن يعلن على التلفزيون أن المملكة تسبح على أنهار من الماء الزلال بما يفوق جريان نهر النيل مئات المرات تتويجا لاستراتيجية القمح، فنضبت عيون الماء وغارت الآبار، و تخرج مدينون، وأصبح بعض قليل جداً أثرياء.
صندوق الفقر الذي بدأ حملة إعلانية هزيلة في شهر رمضان المبارك والذي يطالب ويحث الجمهور على التبرع، هذا الصندوق سيخصص “للدراسة ووضع الاستراتيجية” مائة مليون ريال، الريال فيها لا ينطح الريال بل يبكي عليه.
العذر المالي أن هذه الأموال ليست من رأس مال الصندوق، بل قدمتها الدولة، يعني كأنها “جت بلاش”!. مائة مليون ريال لإعداد الدراسة الاستراتيجية!!، لابد أن دراسة بهذا الحجم تحتاج إلى مائة مليون ريال أخرى لتقييمها، ومائة ثالثة للتأكد من التقييم وسنوات أخرى إضافية ينتظر فيها الفقير.
سبحان ربي، كأننا أمام ديوان أو لجنة الزير الشهيرة .
ومن المضحك المبكي ما جاء في تصريح أمين عام الاستراتيجية “الوطنية” لمكافحة الفقر لجريدة الرياض، فهو يقول إنهم في الأمانة العامة سيستفيدون من تجارب العديد من الدول وذكر منها سوريا وتونس واليمن. وهذا أمر طريف ،إنها أسطوانة “نبدأ من حيث انتهى الآخرون”، ثم بمثل تجارب الدول التي ذكرت هل نتوقع تصدير متسولين من بلادنا إلى الخارج قريبا كما تصدر لنا بعض دول مجاورة متسولين كل يوم، حتى أصبحنا نطالب بضرورة سعودة “مهنة” التسول.
سؤال لأصحاب الاستراتيجيات الشاملة المتكاملة، ما هي النجاحات التي تحققت سواء في تحقيق السعودة وإحلال العمالة أو نفض الغبار عن الضمان الاجتماعي، و تفشي تجارة التسول ،إذا كنا أخذنا كل هذا الوقت ولم يُتفق على نسبة للبطالة، وكل هذا الوقت ولم يُحدد خط للفقر السعودي، ولا حد أدنى لأجر المواطن، فماذا نتوقع سوى أن يكون لصندوق الفقر كل النصيب من اسمه.
ولا أكتم القارئ الكريم أنني لا أتفاءل بأي منشأة يذكر فيها صفة “الوطنية”، فهي عقدة ترسبت في أعماقي لأسباب لا تخفى على ألبابكم، فهي تذكرنا بمنتجات استهلاكية تستخدم لمرة واحدة فقط وباتجاه واحد!، كما تذكرنا بمشروع آخر قيل عنه “استراتيجياً” ما قيل، مشروع كان يسمى “وطني” و…”باح”، تبخر و ضاع على وطني وسط صمت عجيب،… حماك الله يا وطني.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط