ماكينة تفقيس الفقراء

ليست ماكينة واحدة بل عدد كبير من الآلات الضخمة تعمل بلا كلل على تخريج مزيد من الفقراء في بلادنا، تهدر هذه الماكينات جهاراً نهاراً بعضها يحتمي بأنظمة بالية وادارات صدئة، وبعض آخر يستفيد من ثغرات وخمول هنا وهناك.
كان للبنوك ولا زال الدور الريادي في تخريج أكبر عدد من المدينين المفلسين، لا أقصد أولئك المقترضين الكبار بل أقصد الصغار التي تفحش على ظهورهم الفوائد المركبة، تحت عناوين جذابة تخاطب حاجاتهم.. فقط تعال واقترض، مروراً بالبطاقات البنكية، ثم التقسيط للسلع الاستهلاكية بنفس الفوائد العنكبوتية، ولم ينته الأمر عند هذا الحد المتجدد لتخرج في كل فترة شركات توظيف أموال تقدم الوعود ونسب الفوائد “الارباح” المرتفعة ليركض اليها بعض الناس وتترك سنوات طوالاً ثم تقفل فيتخرج لنا مزيد من الفقراء ويزداد طابور الفقر طولاً وماكينته تحقق بنجاح أكبر قدر من الانتاج..
في مقابل هذا العمل الدؤوب لتخريج الفقراء وكنز الاموال ليس هناك فعل واضح محدد ومخطط لوقف هذا النزيف، ورغم أن كل تلك القضايا “الفضائحية” تمت وتتم تحت أنظار أجهزة مسؤولة عن عدم حدوثها إلا أن تلك الأجهزة دائماً وأبداً تخرج منها مثل الشعرة من العجين.
أزعم ان شركات توظيف الاموال خرجت الآلاف من الفقراء بعض فقد كل ما جمعه طوال عمره وبعض باع منزله، ليس في هذا اية صورة من صور المبالغة، واذا اضفنا الى هذا تزايد رسوم الخدمات على كاهل المواطن والتي لم تعد تحصى من كثرتها يتضح لنا كم هو طول طابور الفقراء، وحجم اللاحقين بهم المتوقعين قريباً.
والمساهمات العقارية التي تزف يومياً في الصحف وتجد رواجاً مع انها تحدد، وهذا أمر مدهش، نسب الارباح المرتفعة والتي تدفع البعض للاعتقاد أن السعوديين في حبهم للعقار يأكلون التراب.. لنقل يستهلكونه! يأتي التحذير الرسمي منها بأساليب صغيرة وخجولة ومبهمة، تحذير يتنصل من المسؤولية ويضعها في رقبة المواطن، هذه المساهمات ستقدم لنا “وجبة” جديدة من الفقراء.
أضف الى هذا العدد المتزايد من العاطلين عن العمل وهم مشاريع فقراء المستقبل.
إن تأجيل الحلول والركون الى اللجان غير المحدد لها تاريخاً واضحاً ومعقولاً لإنهاء أعمالها ليس له إلا نتيجة واحدة.. هي ببساطة مراكمة الفقر على الفقر.
وأزعم من دون الاعتماد على ارقام ان النسبة الغالبة من المواطنين هم مدينون لجهة ما بشكل من الاشكال، في مقابل هذا يتصدر الاثرياء السعوديون في حجم ثرواتهم بتسعمائة مليار ريال ويحتلون المرتبة الاولى بين الاثرياء العرب، اللهم لا حسد، بل اللهم ارزقنا واياهم. لكن كم من هؤلاء كان وراء شركة توظيف اموال او فوائد بلعت الاخضر واليابس او مشاريع لم تولد او ولدت مسخاً؟ كم منهم يا ترى شارك في تخريج دفعات جديدة من الفقراء!؟.
للفقر المتزايد ثمن باهظ يتضخم كل يوم، ولست ارى جمراً تحت الرماد بل ارى شرراً يتطاير في الهواء يلسع الوجوه باحثاً عن عيدان قش وما أكثرها.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.