أشأم من صدام

صعد صدام على سلم الخيانة والمؤامرات ، فسقط بذل عولمي أسفله، وبكى آخر عهده شاكياً من الخيانة، بدأ بخيانة الرفاق وانتهى بخيانة شعب العراق فخانته نفسه ، تهاوت بطانته، وكأن القدرة الإلهية العظيمة تريد أن يبعث أمين سر حزب البعث من قبره علنا و حيا ليكون آية للناس، انتظر صدام ثلاثة عقود من الحكم والسيطرة ليظهر للناس على الفضائيات ذليلا مهانا، وكأن القدرة الإلهية الجبارة أرادت أن يعم البيان والإنذار لأولى الألباب في المعمورة، فجر صدام بالعراق فقتله وأسره طوال ثلاثة عقود، أعاده إلى الوراء سنوات عجافاً، دفن و شرد شعبه واصطفى حزمة من المنافقين والأبواق التي تسبح بحمده.
ومثل ديدان تصول حول جثة متعفنة ، ينبت النفاق حول الدكتاتور كالأشجار المتسلقة تلتف أغصانها حوله ويتباهى بها يصنعها، يسقيها ثم يصدقها، أول ما ينبت حول الدكتاتور هو أول ما ينهار تحته ، تتحول الأغصان المتسلقة إلى قيود وأغلال، تمتص دمه ثم تتركه ما أن يجف. لطالما مد المنافق البساط الأحمر مزركشاً أمام سيده، لطالما هز رأسه موافقا، ولطالما قفز المنافق طالبا النجاة ما أن يسقط سيده.
قتل صدام وسحل وفرم بشراً لا نحصي لهم عدداً، وباسمه ولأجله قام بعض زبانيته بالقتل والإذلال والتشريد ثلاثة عقود لكن كل ذلك سيطوق عنقه وحده، وبالدولار اشترى صدام أقلاماً وألسناً فسبحوا بحمده ردحا من الزمن بعضهم توقف مع توقف الضخ، وبعض أستمر في عناد يشبه عناد سيده، غالبا ما يصاب التابع بأمراض المتبوع.
القائد الضرورة ستصبح الضرورة لرقبته غاية الضرورة، تبخرت كل الأوسمة والنياشين والألقاب، ضاعت الحكمة والإلهام التي طالما أوقفت عليه، مثل كل زيف وصدأ طارئ، لكنها الحكمة الإلهية، إراده سماوية، يدفع الله الناس بالناس، تعامل صدام مع البشر تعامله مع الحشرات، صال وجال مثل طاووس مغرور، علا واستكبر وطالما رفع يده بخيلاء وتكبر، طالما أستعرض الجنود مثل عيدان الحطب، لكنه في النهاية انتهى وحيدا في قبر ، حياً أشبه بالميت، وبقي تشبثه بالحياة في أعلى القائمة، رغبة قوية جعلته يستسلم لمن وصفهم بالخاسئين، لم يترك له صديقا ، فضل طريق الرعب على طريق الحب، ألبس الظلم رداء الحزم فنال كل شماتة الأعداء وما أكثرهم.
كأن ما أل إليه صدام عبرة لعرب لا زال بعض كثير منهم ينتظر فارسا ملهما، بطلا جامعا كل الخصال المعروفة وغير المعروفة، ولا مانع من أن يسومهم سوء العذاب ويحقق من على صهوات رقابهم وبجماجمهم ما عجزوا عنه، بعد يوم ذل صدام الذي يؤرخ في تاريخ العرب، بعد شؤم صدام الذي فاق شؤم داحس و البسوس، هل سيتوقف العرب عن تصنيم الأشخاص وعبادة الرؤساء، هل يتوقف العرب عن صرف كل الخصال الحميدة والخارقة لرجل واحد، هل يتوقف العرب عن زراعة الصور والتماثيل ،عن التقديس والمديح والنفاق الذي صار من سماتهم، هل يتوقف العرب عن جاهليتهم المعاصرة، و رفعهم صوراً لهبل و اللات على رؤوسهم بعيون مغمضة لا يعلمون على أية هاوية هم مقبلون.
سقط صدام مرة بعد مرة، طاغية قديم يسقط بيد طغاة جدد، صنعوه ، نفخوه وضخموه وبالتقسيط أسقطوه.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.