بورصة الرجاجيل

“لو للمراجل بورصة منت ملحوق
سهمك هو اللي مرتفع وقت الإغلاق”
المال كان ومازال وقود المراجل وعصبها الحساس، لكن لم يكن كافياً لوحده حتى ولو سار بعربة المراجل بعض المسافة، الخصال الطيبة، والمميزة التي نجمعها ونختصرها في صفة “المرجلة”، لها حاجة ملحة للمال والسبب أن من صفات المراجل الرئيسية البذل والعطاء، فالكرم أهم خصلة في “المرجلة” والرجولة، لكن ثقافتنا الشعبية اختزلت الكرم والعطاء ليتمحور حول الذبح “وذبيحتك معلقة”، والصحون و”البوادي” الطافحة بالشحوم والأسمطة الطويلة ومن بعدها البوفيهات المفتوحة والمغلقة، ضيقت ثقافتنا الشعبية واسعاً، مجال الكرم واسع رحب، لكن التضييق الذي جاء بسبب الجوع في حقبة غابرة أدى للتحول والانحراف إلى “تدسيم الشوارب”، فصار هناك شارب قليل الدسم وآخر كامل الدسم قطرات الدهن الطافحة بالكلسترول تسيل من أطرافه، وكان للشوارب أو “الأشناب” صولة وجولة في زمن مضى، فكانت معقوفة للأعلى دليلاً على الشموخ والسمو والقوة أيضاً بحيث يقف عليها الصقر، ثم أُسدلت أو تراخت وتهدلت إلى الأسفل بلا سبب واضح، وكأنها في فترة استراحة وتيه، لتبدأ في الانحسار مع “حسحسة”الشنبات أو الأشناب التي هي الموضة الطافحة حالياً، لذلك قال شاعر آخر:
أقفى زمان أرجال عكفان الأشناب،
وجانا زمان اليوم.. “وينك حياتي”!
وتكاد “وينك حياتي” تغطي على “كيف الحال” و”وشلونكم”، ومع الدسم والأشناب أو الشوارب كان ومازال لفنجال القهوة العربية بالهيل الغالي و”المدوزن” للرأس، كان لها ربط برائحة المراجل والكرم فقالوا: “خذ فنجال وعلوم رجال”، فمع الفنجال تأتي العلوم، وخذ.. وخل..، فربما لا تكون سوى زوبعة في فنجال.
والصديق الذي أرسل إليّ أبيات الشعر لم يفصح لي عن أسماء من قالها من الشعراء رغم محاولاتي المتكررة لذلك أعتذر لهم، وقد أعجبني دخول الشعر الشعبي للبورصة وإسقاط ذلك على المراجل، الوصف هنا استخدم لغة مفهومة وحاضرة، أصبحت همّاً يومياً لشريحة كبيرة من المجتمع، ويبدو أن الشاعر من متداولي الأسهم ويعلم أهمية سعر الإغلاق، هذا السعر مثله مثل الانطباع الأخير الذي يثبت في الذاكرة ويبدأ التعامل على أساسه مستقبلاً ولو ليوم واحد بالنسبة للأسهم، وربما عقد من العمر للرجل، أما الشوارب فإن موضة “حسحسة” الشوارب الطافحة حالياً تذكرنا بالشوارب المعقوفة إلى أعلى حينما كان فتلها وبرمها عنواناً للرجولة بدلاً من طق الصدر الذي لا يأتي سوى بالنزلة الصدرية.
وإذا كان الكرم يغطي ثغرات المراجل، ويغمض العيون والألسن عن النقص والسلبيات، فإن البخل لا ينفع معه شيء ولا يستره شيء ولا يداويه شيء، فإذا كان من رجل صار طامة كبرى، وأطاح بكل خصلة إيجابية طيبة.. إن وجدت.
لكن المراجل والبذل والإيثار قد يعتبرها البعض غفلة وتبذيراً وسفاهة، والطيبة قد يرونها ضعفاً، وقد يحاول بعض آخر استغلالها لآخر قطرة دسم أو حتى قطرة دم، فيقعون في المحظور ويفقدون كل شيء، لذلك فيما يبدو اضطر شاعر آخر يبدو أن صاحبه عاتبه على تماديه اضطر مكسوراً لأن يقول:
“عطيتني وجه وأنا جيت كلي
محروم والمحروم ما ينعطى وجه”
وسلامتكم.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.