“حلاوة مصاص”

أوائل هذا الشهر توفي مبتكر “حلاوة المصاص”، ولم أعلم أن لهذه الحلاوة مبتكراً إلا من خبر عن وفاته في “الشرق الأوسط”، كنت أتوقع أنها جاءت مصادفة مثل أشياء كثيرة أخرى، لكن الأمر على خلاف ذلك فقد ولد الأسباني هنريك برنارد عام 1923لعائلة فقيرة تبيع الحلوى وساهم الطفل في بيعها على الأرصفة، ثم عمل بنشاط في مصنع للحلوى إلى أن لاحظ اتساخ أيدي الأطفال عند تناولهم للحلوى فجاءت فكرة العود، واستقبل العالم حلاوة المصاص وشيد برنارد مصنعا لازال قائما ناجحا.
لوكان هذا المبتكر سعودياً هل تعتقدون أن الأطفال سيستمتعون في العالم وفي بلادنا ويسعدون بمص حلاوة المصاص وتصبح مراكز طب الأسنان أكثر من التموينات، بالتأكيد لن يحصل هذا، لو كان مخترع حلاوة المصاص سعودياً لربما لازال حتى الآن يراجع مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية وقد شاخ يجرجر قدميه واضعا على رأسه “بشت وبر”، في يده اليسرى حلاوة مصاص وباليمنى عصا يتوكأ عليها، كأني به وهو يراجع بين المكاتب والدهاليز ينتظر براءة الاختراع ويقال له راجعنا العام القادم، فيضطر إلى لحس الحلاوة للحصول على شيء من الطاقة، كأني أرى الموظفين وهم يتضاحكون عليه ويرمونه بالسفه والخبال، ثم إذا حصل على البراءة يكون قد أفلس تماماً ولم يعد لديه ما يمكنه من تشييد معمل صغير لصنع هذه الحلاوة وسنراه على كرسي متحرك يد فشه آسيوي وهو يراجع باحثا عن ترخيص أو متسولا ممولاً.
أحمد الله تعالى أن مبتكر حلاوة المصاص لم يكن سعوديا، وإلا لما نعمنا بحلاوة المصاص في صغرنا ولا من جاء بعدنا.
كما أحمد الله تعالى على أن حلاوة المصاص لم تخالطها الهرمونات، تصور حالنا لو كان الأمر كذلك !.
جاءت حلاوة برنارد، أو “حلاوة أم عود” كما كان البعض يميزها عن غيرها من الحلوى جاءت بطعم الكولا فكانت المشروب الغازي لأطفال الدخل المحدود ثم تنوعت بطعم البرتقال ونكهات أخرى، وساهمت من غير شك ومع قلة الوعي بانفراج الأسنان وتسوسها، لكنها كانت حلوى لها طعم، لا تماثل رقائق الشكولا ته والكاكاو الباهظة الثمن الآن، ولابد أن بعضا منكم يحتفظ في جمجمته بقطعة من حلاوة المصاص.
أنظر إلى بساطة الابتكار وكيف انتشل عائلة من الفقر إلى أن يصبح أبنها صاحب مصنع ويشار له بالبنان بل ويكون له أثر في إسعاد أطفال والتخفيف من تلطيخهم لملابسهم ومن ثم لجوء أمهاتهم لمساحيق الغسيل التي تنافس الأرز في المبيعات، لابد أن الأمهات أول ما شاهدن حلاوة المصاص فرحن كثيرا.
أمة لا تبتكر ولا تحترم المبتكرين أمة ميتة ونائمة ولن تقوم لها قائمة ولا بعود حلاوة مصاص، وهي أمة مستوردة وعالة على الأمم.
أحمد الله تعالى أن ذاك الرجل الذي وضع عوداً في الحلاوة ليبتكر لنا حلاوة المصاص لم يكن سعوديا، ولم يضطر لمراجعة جهات المبتكرين والتقنيين وإلا لما نعمنا ونعم أطفال العالم بحلاوة المصاص، هذه الحلاوة التي تذكرنا بالدكان، وقد كان للدكان ولازال موقعا في الحي الشعبي أخذ يتضاءل مع الأسواق الضخمة، لكن مكانه في الذاكرة لازال قائما، لذلك قال الشاعر الشعبي:
“أحزن على فرقاك حزن الوراعين
لامروا الدكان واسرع أبوهم”.
كانوا ينتظرون حلاوة مصاص.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.