آداب المطر

يصاب كثير من السائقين في بلادنا بحالة من الهياج ما أن تمطر السماء ، كأنهم كراتين يخاف عليها من البلل، وكلما ازداد عدد حبات المطر تصاعدت حمى الهياج، وكنت مثل غيري أنسب سوء قيادة السيارات في شوارعنا إلى عدة أسباب يؤطرها التراخي في تطبيق النظام، وأهم الأسباب متركز في أمرين، الأول ارتباط غابر بوسيلة النقل القديمة، المطية والفرس.. والحمار، و تتجلى رواسب ذوات الأربع هذه في سلوكيات السائقين، نراها متمثلة في التسابق والتنافس على الأولوية و التتويج أمام إشارة المرور أو بعد قطعها طولا وعرضا،وتظهر أيضا في بلادة ولا مبالاة بالآخرين لا تخطئها العين ، فهي وسيلة نقل وفي نفس الوقت هي قلادة تفاخر، وأداة تأكيد على الفروسية الحديدية.
والأمر الثاني هو حالة الطقس، فقد كنت أضع مناخ بلادنا الحار الحارق المتبل بذرات الغبار مسؤولا عن الرعونة في القيادة بعصبية، وسوء التعامل تجاه السيارة المسكينة أو السائقين الآخرين المستهدفين كضحايا.
لكنها ما أن تمطر حتى أنسى كل هذه التخمينات وأعتبرها خزعبلات غبارية، فالمطر..ماء السماء لا يؤثر على السائقين في بلادنا إلا سلباً، رغم أنهم يستسقون وينتظرون، وبدلا من أن يكون بردا وسلاما وسكينة على عقول السائقين وقلوبهم وكفرات سياراتهم، يتحول إلى العكس من ذلك ، وهو ما يجعل اتهامنا للطقس كسبب لحالة القيادة المتردية لا يستند إلى حقيقة، بدليل المطر.
والمطر الذي يكشف كل عام وفي جرد سنوي ذمم المقاولين والمهندسين والأجهزة الرسمية المنفذة والمراقبة، وتصر قطراته على “التجمهر” في الأنفاق لتتحول إلى مصائد للسيارات وتكشف لنا كل غيمة عن مخرج أو نفق جديد برقم جديد يعاني من الغصة، هذا المطر يكشف لنا أيضا عن أخلاقياتنا وسوء سلوكيات كثير منا، وهو أنه عندما يتساقط يغسل مثل مزيل مساحيق الوجوه كل تلك الواجهات المصطنعة من لباسنا الأبيض الناصع وأشمغتنا المجنحة، وسيارات بعضنا الكشخة، وبدلا من الفرح بهذا المطر وتأمله بعد طول انتظار واستسقاء وترقب ، يهرب الجميع منه ولا يمانعون من أن يكون ذلك على حساب الآخرين، ولهم الحق في الهرب لكن ليس بأسلوب الهياج والسعار الذي نراه مع كل غيمة ممطرة، والناتج هو أنه لازالت في دواخلنا بعض من سلبيات البداوة مستقرة مترسخة لم تنفع معها المدنية ولا المدينة فسكنانا للمدينة ووسط جموع من البشر، مجرد مرحلة مؤقتة ، خيمة ونصبت، لم يغير الكثير في أنفسنا وسلوكياتنا، فلازالت تموج فيها سمات الغزو وقطع الطريق ومبدأ “الزند اللي يمشي عليه التيس”، الفرق أن الزند تحول إلى صدام سيارة، وكلما كانت السيارة كبيرة مرتفعة عن برك الماء كانت رغبة السطو وقطع الطريق والتعدي تلك أكبر مع توفر الأدوات والوسائل، كأنها تحاكي تلك العلاقة الطبقية القديمة بين راعي الإبل وراعي الغنم!.
والعجيب الغريب أن هؤلاء هم أنفسهم من يقولون لك بإصرار “أقلط” ويكاد بعضهم يخلع كفك من معصمك حرصا على إكرامك كما يبدو، وهم أنفسهم من يصر على دفع الحساب بالحلف والصراخ فيخرجون محافظ نقودهم مثل مسدسات الكاوبوي، لكنهم عندما يمتطون سياراتهم يتحولون إلى وحوش ، وعندما تتلبسهم الحالة فالويل كل الويل لمن يكون كريماً أو متمدناً معهم .

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.