فوز بلغة الإشارة

ما الذي يجعل المنتخب السعودي لذوي الإعاقة السمعية لكرة القدم يفوز ببطولة مجلس التعاون الثالثة وللمرة الثالثة على التوالي؟..
ما الذي يجعل منتخب الصم يفوز بتسعة أهداف مقابل هدف واحد في واحدة من المباريات، ويحقق البطولة قبل نهايتها؟!..
تسعة أهداف.. هدف ينطح هدف، أسئلة مشروعة، خاصة إذا ما تذكرنا كيف “تتعصر” منتخباتنا لكرة القدم حتى تحقق الفوز، يأتي مثل هذا الفوز إذا جاء بعد طلوع الروح من الجسد والجماهير من الملعب، ويتحول كل متابع منا إلى آلة حاسبة يحسب النقاط نقطة.. نقطة، ويضع جدول المباريات ليتابع مباريات اخرى، لعل ذلك الفريق يتعادل، ولعل الفريق الآخر يخسر، ويبدأ مشوار التعامل مع “لو”..
والفوز في حالة المنتخبات التي لا يشكو أفرادها من إعاقة سمعية يأتي بارداً وغالباً بواحد صفر أو نحوه، ممكن نصف مقابل صفر، وبعض الأهداف مثل نصف الهدف، أو تعادل أشبه بالهزيمة، ويظل الجمهور طوال المباراة على أعصابه ينتظر الرحمة من صافرة الحكم، ويتابعها أكثر مما يتابع حركة الكرة، وما أن تطلق الصافرة حتى يقيم لها الاحتفالات في الشوارع!
لماذا لا تكون نتائج من لا يشكون من الصمم مثل إخواننا من الذين لا يسمعون؟!
وكلنا نعلم علم اليقين أن مقدار الاهتمام المادي والمعنوي والرعاية بالمنتخبات التي لا يشكو أفرادها من إعاقة يفوق بمراحل زملاءهم ذوي الإعاقة السمعية وغيرها من الإعاقات، لا مقارنة على الإطلاق، ورغم هذه الرعاية فالنتائج مخيبة للآمال والتتويج يكون بالحسابات واللوغارتمات.
يظهر لي والله أعلم ان سبب تلك النجاحات لمنتخب الصم هو أن أفراده لا يسمعون، فهم لا يستمعون إلى أية تصريحات ولا تعليمات للمسؤولين، ولا يرخون آذانهم لتحليلات المعلقين ولا نصائح الصحفيين، أيضاً هم لا يسمعون صراخ الجماهير سواء كانت تشجيعاً أو احتجاجاً، كما أنهم قد لا يصغون لتعليمات المدرب وخططه، وهم يكتفون بلغة الإشارة، و”الحر تكفيه الإشارة”، لذلك يلعبون وهم في أقصى حالات الهدوء والتصميم، فتتحقق الانتصارات المشرفة، ولو كان هناك منتخب للمكفوفين لربما حقق مثلما حقق منتخب ذوي الإعاقة السمعية، لأنهم لن يقرؤوا ما يكتب فيكونون في حالة صفاء وانتباه كامل لمجريات البطولات التي يشاركون فيها.
أقترح أن يستفاد من تجربة منتخب الصم، وندرس أسباب تحقيقه هذه الانتصارات المستمرة، ربما سنصل إلى النتيجة نفسها التي أشرت إليها في هذا المقال، ونخفف ما يلقى في آذان المنتخب الأول لكرة القدم من الكلام الكثير، لعله يحقق شيئاً يذكر ويأتي ببطولة كما يجب أن تكون وعندما يفوز ينتصر بوضوح ومن دون حسابات ومعادلات، ثم لا يفوتني أن أشكر افراد منتخب الصم على ما حققوه وأشكر المسؤولين عنهم، وأطالب بأن ينالوا ما يستحقون من الاهتمام والرعاية ولكن من غير كثرة كلام لأنهم لن يسمعوا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.