من دون هاتف جوال ستشعر بالضياع. الجوال حاجة ملحّة، وهو «بل رقبتك في الحقيقة» المربوط بخدمات حيوية ورسمية. دونه أنت نصف موجود، وشبح كامل، وربما نصف متسول، تخيل نفسك في مكان عام وبحاجة إلى اتصال، وجوالك معطل أو لا تملك واحداً، وسط المدينة، في مطار، في صحراء من البشر.
ربْطُنا بشريحة الجوال زَرَع في الجمجمة ضرعاً صغيراً ينز أو ينزف. هذا الانتشار خلّف ضحايا وأسراراً، انقرض – أو «قرض» – الهاتف العمومي، وفي الرمق الأخير تعيش كبائن الهاتف.. هل تذكرونها؟
في فترة مضت شُجّع على فتح كبائن الهاتف العمومي، فانخرط فيها صغار المستثمرين، مع شرط السعودة بالكامل. من يخالف يسحب ترخيصه، من المرة الأولى «كانت هناك صرامة!»، توظيف من دون حاجة إلى شهادة، ملاذ للطلبة وغيرهم. واحدٌ من مستثمريها يروى قصته، من 35 كابينة يعمل فيها 80 موظفاً، إلى ثلاث كبائن فيها خمسة موظفين. في الذروة كان هناك 4500 كابينة تقريباً في البلاد توظف 16 ألف سعودي، وصل الرقم الآن إلى 800 فقط، يعمل فيها 4 آلاف شاب؟ كيف انقلبت الحال؟ يقول صاحبنا إنها المساواة في سعر الدقيقة بين الهاتف العمومي والجوال، ويشبّهها بالمساواة بين البوفيه المفتوح والسندويتش؟!
حرصت هيئة الاتصالات السعودية وركزت على حماية الكبار، فضاع الصغار في الرجلين. تقدم لك الشريحة بسعر معين للدقيقة، لكنها تعطيك «بونوس»، ليصبح العرض بنصف السعر المعلن. نظرياً هذا لمصلحة المستهلك، إنما في الداخل ضياع فرص توظيف وانحسار مؤسسات صغيرة، والرابح الأكبر شركات وعمالة كانت تزور الكبائن. خذ الأبعاد الاجتماعية والأمنية لانتشار الشرائح بهذه الصورة، وضَعْ في المقابل ما تقدمه الدولة من أموال ضخمة للتوظيف في القطاع الخاص لا تُعرف حتى الآن جدواها.. هذا للتوضيح.
القضية بين يدي هيئة الاتصالات، وهي معنية بإعادة «الجدوى» للمؤسسات الصغيرة. ضعوا في الاعتبار تشغيل مئات من الشبان الذين لا يجدون فرصاً إلا في الشوارع، هذا – وحده – كافٍ لتحمُّل المسؤولية. ضع الجانبين الأمني والاجتماعي في الكفة، بالنسبة إلي وإليك، توافُر هاتف عمومي أمر حيوي بدلاً من تسول اتصال عند الحاجة.
ماذا عن سعد؟! هو شاب يعمل مساء في كابينة هاتف منذ 8 سنوات، وقتها كان في «الابتدائية»، وبراتب ضئيل وإصرار كبير استطاع إتمام «الثانوية» بامتياز ليلتحق بالجامعة من دون «واسطة». هذا إنجاز في عرفنا المحلي، ولكن سعداً الآن مهدد بالضياع مع 4 آلاف شاب ينتظرون «حكم» هيئة الاتصالات. المدهش كثرة ما نقرأ من ندوات ومؤتمرات لحماية المؤسسات الصغيرة ودعمها . أصبحتُ عندما أقرأ عن اهتمام بشيء أفكر في نقيضه.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط
استاذي الحبيب ابو احمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
كان الله في عونهم رايحين يبلطوا البحر .. وعودة مرة اخرى الى ثقافة
الحقوق .. يابو احمد الله يبارك فيكم اخونا سعد حالة ضمن الاف حالات
سعودة وهمية .. موظفي مكاتب العمل ومفتشيها جولاتهم اشبه بقص شريط
حفل .. تعرف انهم قائمين بجولة قبل ستة اسابيع .. والله شئ يحير ايش
اللي حاصل . الله يكون بعون كل العاشقين عفوا العاطلين بس وشكرا
السلام عليكم
وقتها يمكن فيه احد له مصلحة في انشاء الكباين مثل توريد اجهزه وغيره
وراح في خراطها صغار المستثمرين وضياع مستقبل العاملين الكل بينهش
الله يرحم الحال
وجزاك الله خير يا ابواحمد