«في كل تأخيرة مزيد من الحيرة»

كل ما حولنا يقول بالأصابع العشرة إن العالم تغيّر وإذا لم تقتنع فلا بد أن تقنعك كوبا، دولة من آخر حصون الشيوعية حكمها الثائر فيديل كاسترو خمسة عقود ثم – لأسباب صحية – تنحى لمصلحة أخيه. كوبا المقاومة والممانعة على بعد رمية حجر من الولايات المتحدة الأميركية، تتحدث الآن عن تطبيع العلاقات مع «العدو الإمبريالي»، وتحديد الفترة الرئاسية، وسمحت أخيراً ببيع وشراء المنازل للمواطنين، ومعها هواتف الجوال!
ومنذ سقوط جدار برلين والعالم يتغيّر ببطء، وكنا نرى هذا التغير بعيداً عنا، لكن موجات التغيير حطّت رحالها أخيراً في العالم العربي، والله وحده أعلم متى تتوقف ولون ما ستتركه خلفها.
أفريقيا السوداء أيضاً يجتاحها تسونامي التغيير، وإن بصورة أخف حدة من العالم العربي أو هو الإعلام يخفّف منها. ولم تعد الأمور كما كانت، الجماهير لم تعد هي الجماهير، والرأي العام يجري تشكيله من الخارج بنقرات أصابع وشاشات فضائيات، تحوّل الفرد العادي إلى مراسل صحافي ميداني ببطاقة «شاهد عيان»، وفتحت له التقنية الفرصة لأن يرسل حيث يشاء. نحن في مواجهة عالم يعيد فيه الافتراضي صياغة المادي على الأرض، وميدان الصراع هو العقول، حرب الأفكار وتشكيل القناعات والرؤى واستغلال المظالم والحاجات، حمي وطيسها.
وسواء قبلتَ أم لم تقبل، قاعداً كنت أو واقفاً، التغيير يحدث بسرعة ونعومة تخفي الخطورة والمسألة ليست في حدوثه، بل في المقدرة على مجاراته. الحقيقة تقول إنه كلما جرى الارتهان للتباطؤ عن محاولات اللحاق والتعامل السليم مع المتغيرات، تزداد الخسائر المتحققة والمتوقعة. تصوّر أنك في سوق الأسهم والخسائر تتوالى ولا بد من الحدّ منها، يحتاج الأمر إلى جسارة تفكّر في عصفور في اليد لا عشرة يعصف بها المؤشر المتهاوي. كان الكل يردد أن العالم أصبح قرية صغيرة، وهذه حقيقة، بل إن هذه القرية تزداد صغراً كل يوم، ولكن قليل منا يحاول الاقتناع بهذا واستشراف المستقبل للتعامل معه أو استباقه، وحينما لا تتأسس قناعة لا يحدث استعداد وسرعة استجابة. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد، فالقرية الصغيرة تؤثر وتتأثر، وإذا لم تتغير لن تُترَك بل سيجري تغييرك، ولم يعد للمثل القائل «كل تأخيرة فيها خيرة» قيمة، إذ انتهت صلاحيته، بل أصبح ضاراً بالاستهلاك الآدمي، كان هذا المثل يستخدم «على شارعين»، العريض منهما اسمه «طريق التخفيف عن النفس»، في ما فاتها، أما الآخر فهو شارع سدّ. غير نافذ، ومن يسلكه سيعود من حيث أتى.
هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.

تعليق واحد على «في كل تأخيرة مزيد من الحيرة»

  1. طارق حسني محمد حسين كتب:

    استاذنا الحبيب ابو احمد السلام عليكم ورحمة الله وبركاته :
    وهذا كله والاعلام عندنا وكتاب الصحف من ابو ثلاثة بريال واحد فيهم يقولك الشيوخ والنساء
    والاطفال والعجائز جلسوا يتصايحوا قدام رئيس المؤسسة يقولوا له لاترحل اجلس وهذا مسكين
    مدفوع والاخبارية السورية تقولك المظاهرات اللي خرجت هذولا خرجوا يحمدوا الله على نزول
    المطر وهذولا برضه مساكين مدفوعين اما الوجه الاخير عن رئيس المؤسسة مسكين الله يكون
    في عونه حط على نفسه وضغط عليها وبشدة وجلس امتثالا لرغبات الحشود ..
    الا على فكرة يابو احمد ماهو احنا الللي اخذنا جائزة في فن ادارة الحشود والله انا كنت احسب
    الحشود في منى وعرفه وماكنت ادري ان حشود صوير وعوير والا مافيه خير .
    وشكرا

التعليقات مغلقة.