“بوشيات”

“التبويش” في لهجتنا العامية هو خلل كبير يصيب المحرك، ويمكن وصف بعض الرؤوس به، إذا ما بدر منها أمر غير معقول أو منطقي، وبحذف النقاط الثلاث عن حرف الشين يصبح “تبويس”، وهو تخصص سياسي عربي برع فيه بامتياز الرئيس الراحل ياسر عرفات، وتلاحظون أن هناك علاقة قرابة بين “التبويش” و”التبويس”. وفي خطاب الرئيس الأميركي جورج بوش الأخير بعد توليه الرئاسة لفترة ثانية، أكثر من الحديث عن الديومقراطية والحريات، ونذر الوعود بوقوف الإدارة الأميركية مع الشعوب المضطهدة، وخفف من احتمال استخدام القوة للدفاع عن تلك الحريات المزعومة.
ومن خلال تجربتنا مع الإدارة الأميركية بعد أحداث 11 سبتمبر، نجد أن هناك خللاً في فهمنا لبعض المصطلحات التي تطلقها تلك الإدارة، خصوصاً الحرية والديموقراطية والإرهاب.
خلال هذه الفترة شاهدنا بأعيننا انتهاكاً لحريات أخوان لنا في فلسطين والعراق وغوانتانامو والولايات المتحدة الأميركية نفسها، وكنا مندهشين نسائل أنفسنا هل هذه هي الحرية الموعودة، وأين هي الديموقراطية التي تلهج بها هذه الإدارة وجماعتها من المتأمركين؟
 هل فهمنا الرسالة خطأ أم أن الحديث والوعود موجهة لغيرنا؟
وبعد كثير من المآسي والقتل والتدمير وتسوية دولة كاملة بالأرض، وبعد كثير من عبارات الأسف التي يطلقها جيش الاحتلال الأميركي بين قذيفة وأخرى، عندما يدمر جنوده سيارات مدنية ويقتلون “بالخطأ طبعاً” أفراداً وعائلات بأكملها وهم مطمئنون في منازلهم، ويحيلون مراسم الزفاف إلى مآتم، حتى أصبح العراق سرادق عزاء ضخمة ينزف كل لحظة، وبعد اعتراف الحكومة البريطانية بالعار، لأن جنودها “عبروا عن مشاعرهم الصادقة” واستمتعوا بمهانة العراقيين العزل، وهو اعتراف لا يساوي شيئاً ولن ينتج منه أمر ذو قيمة، وسيتبخر مثل الأثير الذي حمله.
بعد كل هذا يتضح لشعوب المنطقة، أن هناك فهماً خاطئاً لتلك الكلمات، فالمقصود بالحرية هنا، هو حرية الجنود الأميركيين والمتحالفين معهم وعملاء الموساد بالتصرف في كل كائن حي يمشي على اثنتين في بلاد الرافدين، والديموقراطية هي أيضاً لهؤلاء الجنود وضباطهم، الذين يحصلون على حصانة، وقد يبرأون أو يحكم عليهم أحكاماً مخففة، في جرائم ضد الإنسانية، سيخرجون منها بعد ربع المدة، والحرية مكفولة فقط لجنود دولة صهيون وطائراتها لتقتل وتغتال كل ما أرادت واشتهت، فهي تحت لواء ديموقراطية الإدارة الأميركية.
كل تلك الوعود وتكرار الحديث عن الحرية ليست موجهة لنا، فقد شاهدنا بأم أعيننا وما زلنا نسمع عويل الثكالى، هذه الوعود بالنسبة لنا مجرد “تبويشات” لا تدل إلى أن المحرك يعمل بالصورة المثلى، إنها في الحقيقة موجهة لجنودهم ليتمتعوا بكامل حريتهم في التصرف بشعوب المنطقة وثرواتها.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الحياة. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.