أولى مراتب الحسد تبدأ بالمقارنة، فلان يقارن نفسه بفلان، إما بوضعه الوظيفي أو بحاله الاجتماعية والمادية، أساس المقارنة هو وضع فلان الذي حلق في العلالي، فيما بقي هو في أسفل السلم، وهذا ليس من العدل بحسب رؤيته وإن لم يقال، لكنها في المضمون شكوى وتذمر وغيرة تقطع الأكباد.
والقصة الشهيرة في الحسد لاثنين من الأصدقاء جلسا يتمنيان، قال الأول إنه يتمنى قطيعاً من الأغنام وآخر من الإبل، كل قطيع يملأ وادياً كبيراً، فتمنى الثاني قطعاناً من الذئاب يسلطها على قطعان صديقه والعياذ بالله.
ومجرد تمني الشخص حاجات أو ادعاء حصوله عليها تجعل جذوة الحسد تشتعل وتلتهب عند الحساد، فيقولون ويعملون كل ما من شأنه خسارة الآخر او التقليل مما وصل إليه، وللحساد أدوات أبرزها العين واللسان. وقد يكتفى بالأخير في حال العميان… يكفي أن يحركوا حواسهم الأخرى، وهناك قصة مشهورة عن رجل أتى أعمى معروفاً بداء الحسد وقدرته على الإيذاء من بعد، وهي قدرة خارقة لا يعترف بها البعض وهذا شأنهم وسأعود إليهم في آخر المقال، طلب الرجل من الأعمى أن يقتل ماشية جار له لا يحبه بضربة عين، فطلب الأعمى أن يدله إليها ويبين أوصافها، ذهبا سوياً إلى طريق تمر به الماشية المستهدفة، وأخبره الرجل أنه يرى الماشية في المكان الفلاني من الطريق، وبسرعة رد الأعمى قائلاً: وكيف تستطيع أن تراها من هذه المسافة، فأصيب الرجل فوراً بالعمى.
والإنسان طماع ولا يملأ جوفه إلا التراب، لكن العاقل يحاول قمع هذا الطمع والحد منه بذكر الله وقول ما شاء الله لا قوة إلا بالله، والتمني وحده من صفات الكسالى والعاجزين، فهو لا يستلزم جهداً ولا تفكيراً، يكفي أن تبحلق في من حولك ومن خيالك قم بإكمال كل صورة ناقصة، وضع الألوان التي تعجبك.
وينقسم الذين يقولون إنهم لا يؤمنون بالحسد والعين إلى أقسام، فئة تخفي حسدها بهذا الإنكار على رغم علمها بحقيقته وهم أولئك الذين لا يمكن أن تخرج من أفواههم جملة ما شاء الله إلا بشق الأنفس، وفئة أخرى جاهلة ترى أن الإيمان بمثل هذه القوى من التخلف وتعلن عن تحضرها المزيف بإنكارها، والمؤمن لا يحتاج إلى إقناع بأثر الحسد وقوته، فهو موجود في الكتاب والسنة، ولكن كيف يحصل؟ فهذا موضوع آخر، وغداً نكمل.
قل ما شاء الله لا قوة إلا بالله.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط