من حائل إلى الجوف وخلال سبعة أيام أعدت اكتشاف بحر من الرجال، كنت ذاهباً لأكتشف جمال الصحراء ونجوم سمائها المتلألئة، هناك بعيداً من عتمة المدينة وغلاف الأدخنة الذي يلفها صباح مساء، لا بد أن تعيد بين فترة وأخرى اكتشاف جمال الصحراء وكلما أوغلت في أرضها النائية عن سيارات بعض البشر كنت في مأمن من مفاجآت سيارات ودبابات “المطعسين” الخطرة، وأكياس البلاستيك والمخلفات المتناثرة وبقايا الذبائح المعلقة في الأشجار القليلة، إنها صحراء مختلفة جداً عن تلك المحيطة بالمدن، يحرص عليها أهلها ويتناغمون معها، ويتعاملون معها تعاملهم مع ممتلكاتهم، هم يختلفون عن أهل المدن من أولئك الذين يستخدمون الصحراء، لمرة واحدة، في كل رحلة.
وأردت أن أكتشف جمال الصحراء “بكسر الجيم” هذه المخلوقات العجيبة المنسية، مثل كل مألوف وفي المتناول.
وإذا ببحر من الرجال زاخر بجمال أخلاق ورحابة صدور تفرض نفسها لتقيد القلوب، وكانت الأرض “ممطورة” ندية، وليس هناك أجمل من النفود “الممطورة” إلا قلوب أهلها، وإذا كان أهل المدينة يفرحون بالمطر، فإنه فرح لا يدوم طويلاً، أيام ويبدأ التذمر، وهو لا يقارن إطلاقاً بفرح أهل البادية، المطر يعني الحياة و”الحيا”، ويعني أيضاً كسر أغلال “مافيا الشعير”.
بحر الرجال هذا أعرفه حق المعرفة، لكنك ومثلما تعيد اكتشاف خبايا نفسك و ما حولك، ومثلما تعلم كلما تعلمت شيئاً جديداً مقدار جهلك، لا بد من أن تنفض الغبار مرة بعد مرة.
البشاشة والبساطة والكرم هي من سمات أهل الشمال، أما الرحابة فهي مثل النفود الفسيحة، وخفة النفوس، نقيض الكبر والتكبر، تجدها في الصغير والكبير هناك. المدن الصغيرة تتيح لأهلها ما لا توفره المدن المترامية الأطراف، أما الصحراء فأمرها مختلف، ويبقى الإنسان هو من يشكل الصورة الحقيقية، لذلك فقد عشت أياماً ممتعة مع أهل الشمال، وأثقلتني كثرة الأيمان و”الحلوف”، وقلت لصديقي في الرحلة إن أهل الشمال هم من يصلح للواجهة الإعلامية، إذ تتوافر لدى غالبيهم الأدوات الفطرية، وبمثل هذه الإمكانات البشرية والجغرافية الثرية فإن مستقبل سياحة الصحراء هناك مستقبل مشرق، وهو سيوفر فرص عمل وحركة اقتصادية، المنطقة وشبابها أحوج ما يكونان لها، لكن مثل هذه الإمكانات لا تكفي وحدها، الأمر يحتاج أولاً إلى حسن الإدارة وهي في المتناول بالتعليم والتدريب، وفي ما يتعلق بمسيرة خفاف الإبل فقد كانت التجربة الأولى ومن الطبيعي أن يعتريها النقص والقصور، وكان أمراً متوقعاً لا يخلو من الطرافة.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط