بمرارة يتساءل الزميل الأستاذ عبدالعزيز الذكير في واحد من مقالاته قائلا هل أصبحت النزاهة استثناء؟، وهو سؤال صعب، ومع ذلك يمكن الإجابة عليه من واقع النتائج، فالاخطاء واضحة وتعمدها أوضح واستمرارها يشير إلى مرض عضال. نعم أصبحت النزاهة استثناء وليت حالتها الصحية استقرت على هذا الوضع، لو استقرت عليه لكان بالإمكان المحافظة عليها وإعادة توليدها ولو مخبرياً!!، لكن هذا الاستثناء أو الندرة إن جاز القول، حول النزاهة إلى تهمة وهنا الخطورة ولا يقال في التهمة ان النزاهة فعل مشين بل ولا يمكن لأي كان التصريح برأي يقلل من قيمة النزاهة، وعند التنظير يتم التحدث عن النزاهة من حيث حتميتها كشرط في الفرد المسلم وواجب من شروط العمل.. أي عمل كان، أما تحويل النزاهة إلى تهمة فيأتي بصورة أخرى، صورة خبيثة ملتوية، لا تدل إلا على تشوه أخلاقي، حيث يتم تحويل السلاح إلى الموصوف بالنزاهة ذاك المشار اليه بالاصبع انه نزيه.. كأنه مجذوم!!، بحيث يصبح هو الهدف وهذا هو المهم، ولكل فرد تعريفه الخاص للنزاهة والاغلبية تتفق على تعريف متقارب كل من واقع تجربته واطلاعه ودرجة أهمية المسألة بالنسبة له، هل هي جوهرية أم ثانوية!؟، وحتى المرتشون والراشون والمختلسون وأولئك الذين يستغلون كراسيهم أبشع استغلال فيضعون أيديهم على حقوق الآخرين بحثا عن الثراء والجاه أو حبا في التسلط.. أمثال هؤلاء أيضا لديهم تعريفهم الخاص للنزاهة، والمشكلة في المجتمعات المسلمة ومنها مجتمعنا ان النزاهة أمر مسلّم به بمعنى ان هناك تأسيسا ذهنيا على أنها هي السائدة والطبيعية، وهو أمر غير واقعي، بل هو فخ يقع فيه المستجدون، ومناخ مناسب للاخرين من أولئك المتضررين من النزاهة.
أعود لأساليب الحرب على النزاهة عن طريق تقصّد من يحاول التمسك بها، لأن ذوي المقاصد المريبة متجذرون كما أشار الزميل عبدالعزيز الذكير. فمن الاوصاف التي تطلق عليه أنه معقد ولا أحد يحب التعقيد لكن العقدة هنا في أسلوبه الذي أصبح استثناء والذي يتعارض مع أساليب المتضررين فهو كالعقدة في حلوقهم، ومنها أنه جامد ويشير الوصف إلى عدم التطور لكن حقيقته أنه غير مرن المرونة الكافية فالمطلوب ان يتشكل بمختلف أحوال المادة من جامد إلى غاز وحسب اتجاه الريح، ومنها وهذه خاصة بمجتمعنا أنه.. “ما شاف خير” فهم يرون ان فقدها وعدم التحلي بها يريهم الخير، في حين ان صاحبنا أعمى بل لم ير خيرا في حياته لذلك هو يتعبهم ويوترهم، ومنها وهو أكثر تداولا وصفه بأنه يريد.. “تغيير الكون”، وفي العادة يطلق هذه الصفة أفراد تجانسوا مع الواقع المر إما مسايرة وضعفا أو طمعا بعد ان برروا لانفسهم التعاطي بهذا الاسلوب، وكلاهما سيان في المرتبة، وقد وضعوا الكون كله للمبالغة في صعوبة الامر والإقناع باستحالته، وفي كل الأحوال يبقى الموصوف بالنزاهة خطرا كبيرا على من حوله إذا كانوا من فاقدي هذه الصفة، حتى لو لم يحرك ساكناً، لأن وجوده بحد ذاته وصمة ونقطة سوداء في بياض ملابسهم الناصع، النزاهة ليست استثناء فقط بل أنها مهددة بالانقراض وتحتاج إلى رعاية وحماية صادقة.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط