الإدارة التلفزيونية

العام الماضي يعتبر بحق عاماً من الأسئلة، أسئلة جماعية كان أضخمها متركزاً حول 11سبتمبر، كيف حدث ما حدث؟ ولماذا؟ ومن علم وعمل عليه، وكلما تواترت إجابات مقتضبة من هنا وهناك توالدت الأسئلة أكثر من ذي قبل، لكن إذا كنت ممن يكثرون طرحها فأنت متهم بكونك مؤامراتيا! أنت من اتباع نظرية المؤامرة، وهذه الوصمة تعتبر الآن الأحدث، فهي بديل لشيوعي أو إمبرايالي أو أصولي ومتطرف وهي في رأي الطرف الآخر من أتباع رؤية لا للمؤامرة قرينة للتخلف والسطحية، وأحد أسباب تخلفنا، ومعبرة عن عدم استيعابك لسمات العصر، فهو عصر استهلاكي حتى في التعامل مع المعلومة، فهي تستخدم لمرة واحدة من غير فحص، يجب عليك عزيزي المؤامراتي أن تقتنع بكل ما تقرأ وما تشاهد خصوصاً عندما يكون من مصدر غربي، والحدث أسبابه وكيفية حدوثه ومن ثم مضاعفاته ونتائجه.. كلها أمامك!، حدثت بكل بساطة، لا يحتاج الأمر إلى تعقيد وعقد لا توجد سوى في رأسك، عليك أن تسلم جميع أوراقك ليكتبوا فيها ما يريدون.
عالم اليوم يدار فضائيا من خلال القنوات الفضائية وبواسطة الإنترنت، هذه الشاشات التي يتسمّر حولها الملايين يتم إدارتهم بواسطتها، لذا ليس من المستغرب أن تشارك أنت بأكثر من صورة، لكن غير المقنع والمثير للسخرية هو أن يقوم تنظيم يقول عنه أهله بأنه “سري” بالتباهي فضائيا بمنجزاته في 11سبتمبر، وإذا سلمنا جدلا بأنه يستخدم سلاح الإعلام للتحريض والتخويف والضغط، فإن أحدا لا يفهم الحرص على ذكر التفاصيل من الاجتماعات واللقاءات وحتى العبارات المتبادلة، ذكر التفاصيل هذا يتم بالصوت والصورة أصيلا لا معاد تمثيله! انه أمر يذكرك بتلك البرامج التي تعد على هامش الأفلام توثيقا لعملية التنفيذ، وتباع بأسعار بسيطة، ويمكن أن تهدى لأنها تتضمن دعاية للعمل الأصلي، لايمكن فهم أن يعمل تنظيم سري بهذا الحرص الدقيق مع الإعلام.
من ناحية إعلامية برنامج “سري للغاية” بحلقتيه والذي احتوى على الاعتراف المفصل الحاوي حتى على كلمات السر!! يمكن اعتباره عملا إعلاميا متقنا، ودرجة الإتقان فيه فيها من المطابقة ما يثير غبار الأسئلة!!، ثم هل هذه الاعترافات المصورة المعلنة والمفتخر بها من تنظيم سري إشارة إلى أنها آخر عملية لهم!؟ هل سيتم تقاعد القاعدة يا ترى!؟ البرنامج المتقن بتلك الخصوصية العجيبة في المصادر والغموض في البدايات والنهايات والقفز على كيف ولماذا لا يخلو من روائح الاستخبارات، مثل هذا العمل الإعلامي المثير لا يعقل أن يكون بلا ثمن!! الحرج جاء في التوقيت، فالذكرى لأحداث 11سبتمبر داع للتأبين عند أهل الضحايا وزمن للحصاد والمراجعة من كل الأطراف، لذلك تسارعت الأحداث، وحصل ازدحام على الحصاد بسبب تركز الكاميرات، واضطر معد البرنامج لنفي علاقاته بالقبض على من اعترف له في ذلك الشريط ليقول انه قابلهم قبل أشهر، وهو أمر لا يقدم ولا يؤخر إلا في المصداقية والاستقلالية، أين التفكير في العواقب من أفراد أضروا بأمتهم أكبر ضرر باسم الانتصار لها؟ هل هناك استدراج ما تم!؟.. سيناريو آخر مماثل لما حصل عند غزو الكويت؟ لن يتم الإجابة على هذه الأسئلة لأن الحاجة للغول لا تزال قائمة، والأسئلة تتزايد.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.