حين تكون العاطفة هي المسيطر والمسيّر من الطبيعي أن تحدث الصدمة عند أول إفاقة عقلية على واقع جديد مخالف أو معاكس حتى لحلم يقظة.
لقد قادت العاطفة الساذجة الكثيرين إلى صناعة البطل الذي ينتظرونه بالصورة التي يتأملونها، وأسهمت سخونة الأحداث والصراعات في منطقتنا العربية في تهيئة الجماهير لتصنيم الشخصيات، إذ أنها كانت المنصة التي استغلت لإحداث أكبر تأثير في الجماهير وكسب القلوب والعقول.
استلهموا تصريحات وخطابات وصوراً دعائية مصنوعة من شركات العلاقات العامة عن البطل المنتظر، تضخ لهم لتأكيد ما في وجدانهم، وجعلوا منها مبادئ راسخة لا يتم التزحزح عنها، ثم أكملوا رسم الصورة كما يرغبون فيها، وكل جزء مفقود يضيفون إليه من خيالهم ما يجعله أكثر نصاعة وجمالاً ملوناً.
ولا ينحصر الأمر في الشق السياسي وحده، على رغم أن الشأن السياسي هو المسيطر والمنصة الأولى التي يصنع من خلالها البطل المنتظر ويزداد وهجاً عند كل تعليق له على الأحداث، بل تجاوز السياسي إلى الفكري والوعظي والإعلامي الفضائي، كلما صدر عنه/ عنها ما يشبع الحاجة العاطفية العمياء.
ولا شك في أن الأثر الذي سيحدثه تغيير سياسات في المنطقة تجاه الأحداث الساخنة لدولة محورية مثل تركيا، وهي الحاضرة والمؤثرة فيها منذ بداياتها، أو غيرها من الدول بمثل هذه الحدة في تغيير المواقف، يمثل صدمة قوية لكثيرين من الذين نصبوا صورة البطل المنتظر في قلوبهم لتستولي على عقولهم وتصبح بوصلة للتعامل مع محيطهم بل البوصلة الوحيدة. والأمر لا ينحصر في تركيا التي أعلنت – بعد تولي رئيس وزراء جديد – عن تغيير في سياساتها تجاه العراق وسورية، والعامل المشترك بينها إيران، فليس من المستغرب أن نرى تغيير مواقف من دول أخرى، فهذه هي السياسة كما يقولون وإن لم يتوقع أحد الاستدارة بهذا الشكل وهذه الصورة المفاجئة. والمشكلة ليست هنا لو انحصرت في «السياسة»، بل هي «التياسة» في فهم حقائق ومنطلقات الدعايات السياسية وأهدافها البعيدة عن شعاراتها المعلنة والاستجابة لها مثل برادة الحديد أمام المغناطيس.