بين الحرب على الإرهاب وتوظيف الإرهاب شعرة دقيقة، و«الخطأ» الكارثي – مقصوداً كان أم متعمداً – الذي اقترفته حكومة بوش الابن مع زمرته بمشاركة حكومة توني بلير تكاد فرنسا تقع فيه، ردود الفعل الأولية على العمليات الإجرامية يجب أن تتحلى بالفارق بين منطق العقل والدولة والسلام وبين منطق الإرهاب والانتقام، إشارة الرئيس الفرنسي في خطابه إلى الإرهاب «الإسلامي أو الإسلاموي» في أول رد فعل رسمي منه على الجريمة الإرهابية في مدينة نيس الفرنسية تصب في اتجاه الخطأ نفسه.
وإذا كان هناك من محاولة «امتصاص» سياسي داخلي «فرنسي» لما أحدثته الجريمة من صدمة ورغبة في الثأر فإن هذا لا يجب أن يكون على حساب الإسلام أو المسلمين.
كل إنسان سوي يتعاطف مع الضحايا في هذه الجرائم الإرهابية البشعة في أي مكان وقعت، ويشجب أدوات ومحركي هذه العمليات ومنطلقاتهم، ويقف ضدهم، هذا موقف ثابت.
نحن نعيش إرهاب القرن 21، لم يعد هناك مكان آمن، من المطارات إلى مواقع سياحية وطائرات مدنية، هي ومرتادوها أو مستخدموها أبعد ما تكون عن السياسة وصراعاتها. والرابط بين الجرائم الإرهابية التي ضربت مختلف بقاع العالم، وخصوصاً في الدول العربية وتركيا وفرنسا إنها اجتهدت في إحداث أكبر صدمة من زوايا استهداف طبيعة المواقع وعدد الضحايا، المدنيون هدف إرهابي وكلما كان تجمعهم أكبر وفي مناسبة محددة كانوا هدفاً ذهبياً ومطلوباً بإلحاح بالمنطق الإرهابي.
ولأن «التجنيد عن بعد» أصبح سمة للإرهاب العابر للحدود في هذا القرن واستخدام وسائل التواصل فإن ملامح التوظيف الاستخباراتي هنا احتمالات لا يمكن التغافل عنها.
ولنتأمل هذه الصورة المتخيلة، منظومة عالمية تؤجر الإرهابيين كما يتم تأجير المرتزقة، وكل إرهابي تم تجنيده أساساً واختياره بحسب الهدف «المكان والزمان والضحايا»، الذي يناسبه والمقتنع به، الذي يناسب أيضاً العميل المحتمل. والتواصل عن بعد يحقق كثيراً من النجاح في التلاعب وغسل الأدمغة، هذه المنظمة المتخيلة توظف «الإرهابي»، بحسب الطلب، ولتبقى البصمات والأدلة «الجنائية» في موقع الجريمة لا علاقة لها البتة بالأيدي المحركة والموجه إلى هذه الجريمة.