تحولت خطوة إجراء الدراسات المهمة والضرورية في العادة من استكشاف لجدوى مشروع أو برنامج للتأكد من جدواه وأفضل الطرق لتنفيذه بأقل التكاليف، تحولت إلى مشروع بحد ذاته له حراسه والمستفيدون منه، والمسألة تعدت الاستعانة بشركات استشارية يأتي مناديبها بربطات أعناقهم من الخارج لحضور اجتماع مع جهات حكومية ثم المغادرة على أقرب رحلة، وجل معلوماتهم مأخوذة من موظفين حكوميين، تعدى الأمر هذا إلى دخول الاستشاري السعودي «الموظف في الحكومة» والدكتور غالباً على الخط، وهو موظف براتب مرتفع جداً ويفترض أنه حارس للمصلحة العامة، لكن استمرار إجراء الدراسات أصبح هاجساً له، لذلك يتم إنجاز دراسة ليعاد دراستها مرة أخرى حتى تندرس، وكلما مر زمن وتغير موظف أو شركة استشارية يعاد الدرس.
وإذا كان من أهداف التحول والرؤية ترشيد الإنفاق وحسن توظيف الموارد، فمن الأولى البحث والتدقيق في ما يحدث من «استثمار» الولع بإعادة الدراسة للمدروس المندرس.
الوضع مضحك مبكٍ، وظروف الفائض المالي تختلف عن ظروف العجز ورفع أسعار الخدمات على المواطن الذي يمكن اعتباره «المنجز» الوحيد في عملية التحول.
إن الحفاظ على المال العام مسؤولية كبيرة، وهنا نسأل من يقوم ويراقب أعمال هذه الدراسات؟ ومن يقف عليها ويرعاها ومدى الحاجة الحقيقية لها؟ ولماذا يعاد درس المدروس؟ ومن المستفيد من التعطيل «لكل دراسة زمن» وإعادة تلزيم جهة استشارية بدراسة مدروسة؟
الترشيد وحسن توظيف الموارد المالية والبشرية سيكونان العنصر الأساسي الذي يتم به قياس كفاءة خطوات التحول الوطني تمهيداً لإنجاز الرؤية، ومدى كفاءة العاملين عليها، فهذا هو المحدد الطبيعي والمنطقي والاقتصادي بل والمرحلي، مع انخفاض لأسعار النفط وعجز في الموازنة، لكن ما يصل أو نصل إليه من أخبار داخل كواليس حكومية لا يبعث عن التفاؤل، ويعطي صورة على أن «التجزر» الحكومي الفاقد للرقابة الحصيفة سائد، وأن البحث عن عناوين لمشاريع أو برامج لدرسها أهم من حقيقة إنجاز هذه المشاريع أو البرامج نفسها، وكأننا أمام طبيب يرى في استمرار مرض مريضه المصدر الوحيد لدخله.