مشهور عن الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك أنه وصف قناة الجزيرة بـ«علبة الكبريت»، عندما شاهد بنايتها من الجو، وإذا صدقت الرواية فإنه أراد التقليل من قيمة القناة بوصفها بعلبة الكبريت الصغيرة والتافهة، لكن علبة الكبريت الصغيرة هذه أسهمت إسهاماً رئيساً في إسقاطه من عرش مصر ليدخل هو وأسرته ومصر معهم في متاهة. وكان لرخاوة الوضع المصري وحلقات الفساد المحيطة به دور كبير في تعمق الرخاوة وعدم اليقظة، هذه الخلطة مع أوضاع مصر المعروفة، ومن أسبابها ما ذكر أعلاه، أسهمت في قابلية ونفاذ التأثير، الذي عملت عليه قناة الجزيرة بإصرار، وتوج بلحظة الشرارة، أي بعد هرب ابن علي من تونس وتسيد الشعور العام لدى الشعوب العربية بربيع مرتقب تمت تغذيته بقوة بشعارات الحرية والحقوق والديموقراطية في وسائل الإعلام المختلفة، وكانت قناة الجزيرة تحمل لواء الصدارة.
ينبغي القول إن قناة الجزيرة عملت باحترافية، لكنها من ناحية المهنية أخفقت، فالانتقائية، على رغم محاولات تمتين السبك، كانت تطفح على السطح، والتوجيه المركز والـ«مباشر» ظاهر للعيان، لكن مع كل ذلك فالقناة أصبحت بعد عقود حقيقة ثابتة إلى درجة أن أحد كبار مذيعيها كتب قائلاً إنه لا يتصور قطر من دون قناة الجزيرة! وفي القول تقليل من قيمة قطر الدولة والشعب، ولا يخفى في القول السابق حضور مصلحة شخصية، وكان الأولى بالعاملين في الجزيرة الابتعاد، على الأقل في مواقعهم الشخصية على وسائل التواصل من الدخول على خط الأزمة بين الدول الخليجية ومصر من طرف، وقطر من الطرف الآخر. لا نعلم في حقيقة الأمر هل هو مطلوب منهم ذلك وهو من شروط العقد، أم اأنها فزعة مصلحية؟ إنما تأثيرهم السلبي حاضر ولا حاجة إلى توضيح أن هذه الفزعة في النتيجة النهائية لغير مصلحة قطر الشعب والدولة والجيرة، وإن بدت للوهلة الأولى في مصلحتها.
إنما السؤال الذي لم يجد إجابة شافية: لماذا اتجه النظام السياسي في قطر هذا الاتجاه المعاكس لحركة السير في الخليج، واستخدم القناة رأس حربة له؟ هل استدرجت قطر في لحظة ما؟ ومن استدرجها؟ ولماذا؟