تشخيص

في رسالة تقطر أسى وألماً يروي لي ابن ما حصل لوالدته، حين دخلت المرأة إلى المستشفى المتخصص وهي تعاني من معدتها، قام المختصون في المستشفى بأخذ عينة من المعدة والكشف عليها، وجاء تقرير المختبر ليعلن الخبر المفجع، المعدة والقولون مصابان بالسرطان، هنا قال الأطباء قولهم إنه لابد من التدخل الجراحي.. العاجل، ولا بد من إزالة المعدة تماماً وكلما كان ذلك أسرع كان أفضل، لإيقاف انتشار هذا المرض الخبيث المرعب، وحماية بقية أجزاء الجسم.
ماذا يفعل أبناؤها أمام تقرير طبي من هذا النوع ومن مؤسسة علاجية شهيرة أو عملاقة كما قال الابن في رسالته، ماذا يفعلون وأمهم، والدتهم أمام هذا الخطر المحدق، الأمر يحتاج إلى قرار عاجل، سلم الأبناء أمرهم لله تعالى، وتركوا الأمر للأطباء وحسب مشورتهم العلمية، هم المتخصصون وأصحاب الشأن، وتم التدخل الجراحي وإزالة المعدة تماماً، وبعد يومين من إجراء العملية جاءت المفاجأة المؤلمة أكثر، دخل الطبيب الجراح على السيدة ليقول لها إن معدتها المستأصلة كانت سليمة..!، ولا يوجد بها أي ورم خبيث، هذا الخبر بعد أن أصبحت المعدة خارج الجسم، والمريضة من غير معدة، فقد فحصت المعدة بعد الاستئصال ووجد أنها سليمة، وفهم بعد ذلك أن المختبر أخطأ في التشخيص، والجراح عمل بناء على التقرير الخاطئ للمختبر واعتمد عليه، وكانت الفاجعة، صدمت المرأة التي تعيش الآن على السوائل في جناح بتلك المستشفى،.. عدة مرات منذ الشك بالمرض الخبيث ثم إعلان النتيجة فالعملية ثم الخطأ الذي لا يعوض، إلاّ أن صدمة استئصال عضو سليم وحيوي من جسمها لا يمكن إعادته لا تعادلها صدمة، لا حول ولا قوة إلاّ بالله.
وكعادة كثير من المستشفيات والمؤسسات لا يمكن الاعتراف بالخطأ، لأن الاعتراف به تحمل للمسؤولية ومن ذا الذي يريد أن يتحملها، يسألني ابنها في رسالة بحرقة قائلاً: كيف سنثق جميعاً بأي تشخيص بعد هذا التشخيص، ثم يقول.. “ماذا ستفعلون لو حدث هذا لكم متمنياً لكم الصحة والسلامة ولكن الوضع المؤلم جاء بالكلمات القاسية”.
لا أشك لحظة أن الجراح وطاقم المختبر كان كل منهم يريد خيراً بتلك السيدة، لا أشك أبداً بالنوايا، لكن النوايا الحسنة ليس لها مكان هنا، نحن نتحدث عن عضو سليم حيوي، استئصاله قلَب حياة السيدة رأساً على عقب بعد طول معاناة، ثم إنه من الواجب على المستشفى أن يحدد المسؤولية في الخطأ، وأن يقول ذلك بشجاعة مثلما يعلن بحرص عن إنجازاته غير المسبوقة، وقبل هذا من المهم أن تشترك في التحقيق والتحديد جهات أخرى من خارج المستشفى ولا يترك الموضوع له حتى “يبرد” ويهدأ الناس ويفعل الزمن فعله.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.