رغم ما يحتويه إرثنا الثقافي عن الذئب الحيوان من صفحات ملطخة بالدماء والفزع، إلا ان بعض الآباء لا يترددون في حث أبنائهم على ان يكونوا ذئاباً!، من خلال العبارة الشهيرة.. “خلك ذيب”!، ففي اللاوعي شعور بأدوات!!.. الصراع الذي يصبغ علاقات البشر بعيدا عن المثل البراقة التي تستخدم في الفصل الدراسي وتزين المناهج.
لكن لماذا الذئب بالذات من دون سائر الحيوانات؟، وقبل هذا لماذا يكون النموذج.. حيواناً!؟، الذئب لم يعرف بالأنفة ولا بالوفاء والإخلاص، صفاته تتناقض مع كل هذه المثل العالية التي يدعيها غالبية البشر، على العكس من هذا عرف الذئب بضراوة أقرب للفجور، وامتاز بالمكر والطمع.. فهو خلاف كثير من الحيوانات المفترسة يقتل أكثر من حاجته، بل ان هذه الخصوصية فيه عميقة لا يوازيها إلا طمع بني البشر في الاستيلاء على أكثر من حاجتهم بأي صورة ممكنة، وكأنه يخطط للمستقبل مثلهم، فيه توجس يماثل عدم طمأنينتهم، وقالوا.. “خلك ذيب” ولم يقولوا خلك أسد!، والسبب ان الاسد رغم المعرفة بتربعه على عرش مملكة الحيوان، والعلم بصفات امتاز بها، إلا ان لا حضور له في بيئتنا، أعلى مرتبة للمفترسات في بيئتنا موقع يحتله الذئب بسبب ضراوته وكثرة النسل وتكيفه لمقاومة محاولات الإبادة، كما ان الاسد غير معروف إلا في حديقة الحيوان.
والسطو من صفات الذئب فهو ساطٍ شهير ومرهوب الجانب، والكثير من الناس لا يخفون إعجابهم بالسطو ولو أعلنوا خلاف ذلك، لهذا يقولون عن فلان: “يعجبني هذاك ذيب”، ولا ينظرون هل استخدم أنيابه أم مخالبه، وقد يكون أفترس ابناً له!، ومن دلائل الإعجاب بحيوان الذئب في مجتمعنا استخدامه كوسيلة في الدعاية والتسويق الشعبي، من ذلك ان بعض أصحاب محطات الوقود على الطرق البرية الطويلة كانوا وما زالوا يصطادون واحداً من الذئاب ويضعونه في قفص للفرجة وجذب العابرين، وكثيرا ما تنجح الفكرة التسويقية، ويصبح محيط ذلك القفص مزدحما، ويقول لي صديقي ساخرا ان الآباء يحرصون على ان يتفرج ابناؤهم على ما في الاقفاص قائلين “شف يا ولدي أبيك مثل هذا”!!، ويمكن لكم ان تتخيلوا ماذا يدور في مخيلة طفل وهو يسمع مثل هذا الامر أو الطلب، كيف يمكن ان يكون ذئبا!؟، هل يمشي على أربع أم يطلق عواء!.
والاعجاب بالذئب جعله مادة خصبة وبطلاً مسانداً في القصص والاساطير، وكان نديماً للشعراء، وبدلا من.. “يا سعد.. لو تشوف”،، كان هناك.. “يا ذيب ياللي”!، ووصل الامر ان اسبغ عليه قوى خفية غير منظورة مثل أنه يأكل الجان ويهابونه ويفرون عندما يرونه وله القدرة على رؤية حقيقتهم بأية هيئة تشكلوا، ففي عينيه جهاز للكشف عن الجن!، وهذا أمر لا أنفيه ولا اثبته، لانني لا يمكن ان ادخل في رأسه!، والذئب استعصى على التدجين بخلاف ابن عمه الكلب الذي له صحبة طويلة جدا مع ابن آدم قللت من احترامه.. وأساءت إلى سمعته!!، فهو، اي الذئب، مستوحش موحش حتى انه لم يجد عملاً في السيرك الذي وظف كثيرا من الحيوانات، فهل تذكرون ذئبا يلاعبه مروض!، كل هذه الصفات لا تبعث على الإعجاب الذي يدفع بالمقولة الشهيرة.. “خلك ذيب” إلى أسماع الصغار، توجيها لهم، ولو طبق الابناء ذلك لكان الآباء هم أول ضحايا الوثوب!، لكنني أبحث عن سبب الاختيار، قد تكون استقلاليته أحد مصادر الإعجاب به، إذا احسنا النية!، لكن الاقرب هو ضراوته فمهما وصل الناس من سلم التحضر فهم يؤمنون ان.. بعضا منهم يكثر أو يقل، يخافون ولا يستحون لهذا لا يعيش معهم إلا ضاري مثل الذئب مهاب الجانب، ينتزع منهم ما يريد احتاجه أم لا.
-
* الموقع يحدث بإستمرار مع نشر المقالات في صحيفة الإقتصادية .
أحدث التعلقيات
-
أحدث المقالات
الأرشيف
كتب
- هذا الموقع بدعم وإدارة من شبكة أبونواف
روابط