حتى لا تكون مرحلة انفلات

بحث الأجهزة الحكومية عن مصادر التمويل واستثمار إمكانياتها بشكل اقتصادي يحقق أكبر عائد بأقل قدر من الكلفة أمر مطلوب ومحمود، لابد أن تشجع عليه، ولكن هذا الأمر لابد من شروط تحكمه حتى لا ينحرف عن طريقه المستقيم وهدفه الأصلي، من هذه الشروط أن يستثمر الدخل المتحقق لتحسين خدماتها للمواطن أولاً وأخيراً، وان لا يؤثر هذا التوجه بأي شكل من الأشكال على الغرض الرئيس الذي أوجدت لأجله تلك الأجهزة، وان لا يجعلها ضعيفة أمام جهات أخرى بأية صورة عند سعيها لتحقيق غرضها الأصلي، لكن هل هذا متحقق حالياً في تجارب غالبية الأجهزة الحكومية!؟
كثير من الأفكار تبدأ جميلة براقة ثم يحولها بعض البشر الى النقيض تماما، لتتمحور بعد فترة يسيرة وتنقلب الى عبء يضاف الى اعباء سابقة كان يراد التخلص منها!!؟،
لقد أصبح ممكناً لبعض الشركات ان تهدي أثاثاً جديداً لمكتب مسؤول في جهة تراقب هذه الشركات، في السابق لم يكن التفكير في هذا وارد، ولقد أصبح بإمكان الغرف التجارية مثلاً ان تؤثر من خلال ما يسمى بالتبرع و تحمل تكلفة انشاء شيء ما ولو مظلات لمواقف السيارات يمكنها التأثير على جهات رقابية حكومية، وأصبح الدعم الدعائي من شركات لجهات مثل البلديات أو الأمانات والوزارات وسيلة للانفلات، والعجيب ان الفكرة الممتازة لم تحقق عائداً الا في التلميع الإعلامي من خلال المجلات التي أصبحت تصدر من كل حدب وصوب، أو الملاحق الإعلانية والمطويات تحت اسم التوعية!!،
بعد هذا بأي وجه سيقابل الموظف الحكومي صاحب الشركة إلا بوجه المحتاج!!،.. وطالب القرب..، وكيف سيقوم بدوره وواجبه وأمانته!؟، هذا على المستوى العام اما على مستوى النشء فقد بادرت وزارة المعارف في تجهيز الجيل الجديد لمواكبة هذا التوجه وعلى طريقتها.. المنفرجة، كان المقصف المدرسي بعض الإيجابيات فقد كان يعلم الطلبة ميزة الادخار والاستثمار إلى حد ما ولم يكن ثغرة للطمع وتسويق منتجات اتفق على مضارها للأطفال، لكن المعارف تريد أن “تفرمت” النشء، وصار الفصل والمدرسة مكانا لجمع التبرعات بمبررات الصناديق التطويرية وتحسين الفصل والمدرسة للحصول على شهادات “الأيزو والميزو”، وأصبحت لجنة الزير التي حفظناها من التراث موجودة في كل مكان، وتبعث في أي لحظة ولكن لازير يقام ولا ماء يشربه المحتاجون للشرب من أبناء السبيل!، بل مضخة قطرها بوصات تذهب بالماء الى من لا يحتاجه!؟، وفوق هذا “تشفطه” ممن هو بأمس الحاجة إليه!!.
حتى تصل الأفكار الجيدة إلى بر الأمان، تحتاج إلى رقابة دائمة وتعديل مستمر، أما الوضع الحالي فهو لن يؤدي إلا إلى الانفلات وتداخل المصالح وضبابية الرؤية خصوصاً لدى المعنيين بالرقابة على خدمات وسلع يحتاجها المواطن، وعلى مختلف مستوياتهم، وإذا وصل الوضع إلى أن تحث وزارة المعارف طلابها على إرسال رسائل صوتية وفاء للمعلم الذي لن يدخل طبلتي أذنيه صوت إلا من خلال الرقم 700، الوصول إلى هذه المرحلة وعلانية وعلى رؤوس الأشهاد يحتم التدخل السريع لضبط وربط التداخل بين الخاص والعام.. وحتى لا يشوه ما تبقى نا.

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.