بالروح بالدم

تثير صور بعض المتظاهرين العرب الذين يهتفون قائلين: “بالروح بالدم نفديك يا.. فلان”، وقبضات ايديهم تشق عنان الهواء، تثير شعوراً محبطاً لأي إنسان، شعور تمتزج فيه السخرية المرة بالوجع، وهو ما دعاني للتساؤل.. هل الدافع هو الحب لفلان يا ترى.. أم الخوف منه؟. أم هي الحاجة لمبلغ من النقود وبطاقة تموينية؟، هل لهم الخيار في أن يهتفوا أو لا يهتفون!؟.
قبل هذا هل هم بالفعل يملكون ارواحهم ودماءهم ليقدموها قرابين للقائد عند كل أزمة؟، وماذا سيحققون من وراء هذه التضحية؟، من نافلة القول ان الروح والدم هما من أثمن ما يمتلكه الإنسان إن لم يكونا أغلاها على الإطلاق، وهما عند كل واحد من الهاتفين المتحمسين ثمينان بهذا القدر.
ثم ما هذا الولع بالدم!؟، هل الزعيم يحتاج إلى التبرع!، أم يقتات على الدم ولا يدخل البهجة والحبور لنفسه إلا منظره القاني!، هل هو دراكولا آخر!!، العجيب أن أرواح ودماء المتطوعين المتظاهرين هي أرخص عند الزعيم المفدى من أن يفكر بها، بل إنها قد تكون وسيلته للتسلية.. والتقدم!، لطالما كان إزهاق هذه الأرواح حجر الأساس ووقوداً لصعود درجات سلم الزعامة، ولطالما كانت برخص التراب بدعوى الحرص على التراب.
قد يكون الأمر مزايدة من المتظاهرين الذي يعلمون علم اليقين أن الزعيم يملك الأرواح والدماء فهم لا يقدمون له سوى ما يملك أصلاً!، ولعلهم يحصلون بمثل هذه المزايدة على بعض أجزاء أرواحهم ودمائهم.
تمنيت لو أنني أجيد اللغة الروسية أو الكورية لأقرأ في تجربة حكم ستالين وكيم ايل سونغ من مصادرها الأصلية، وأرى هل كانت شعوبهم تردد نفس الهتاف وهي تجوب الشوارع بانتظام، هل كانت تحرص عليها وأياديها تجتهد بالتصفيق المرتب الذي يكاد لا ينقطع!، خاصة وأننا نعلم أنه عندما مات ستالين وكذلك كيم ايل سونغ انتحر بعض الأفراد من شعوبهم في فداء قل نظيره بالروح والدم!!، أم أنها من الخصائص العربية البحتة، ولا تخرج عن دائرة القول ولا ترقى إلى قمة الفعل، كأني أسمع صوتاً يقول إنه القهر، لكن على كل حال، ومن واقع الحال لو شاهدت وجوه المتظاهرين الهاتفين وركزت قليلاً لاكتشفت أنك ترى أشباحاً متحركة، غارت من وجوهها الدماء، هياكل تمشي انتزعت منها أرواحها وإرادتها فصار لها هم وحيد هو هم البقاء، لعل يوماً يأتي بالفرج، لتعود الأرواح والدماء المسلوبة، في ذلك الوقت سيكون هناك هتاف آخر تطالب فيه بأرواحها ودمائها التي انتزعت منها!
 

هذه المقالة كُتبت في التصنيف الرياض. أضف الرابط الدائم إلى المفضلة.