عشاق القهوة

لم ينتشر الاستهلاك الواسع للقهوة على الطريقة الأميركية في بلادنا إلا قبل سنوات قليلة، وخلال فترة قصيرة نسبياً انتشرت محالها بأسماء أجنبية ومحلية، أصبحت بالنسبة للبعض مثل الخبز اليومي، وفي محال الخدمة الذاتية كان من الواضح أن سعر كوب القهوة من دون إضافات مرتفع، أما إذا دخلت إلى الأسماء التسويقية، والخلطات من أنواعها، فالقيمة تتزايد ليصل بعضها إلى أسعارها في الفنادق. ومع طغيان النمط الاستهلاكي «فز» هذا القطاع، إن جازت التسمية، إلى أعلى، وتعود المستهلكون على الأسعار، وما يشير إلى ارتفاع أرباح هذه المحال التوسع بمزيد من الفروع، الآن أتوقع، مع رفع بعض سلسلة محال أسعارها انتهازاً لموجة فرض الضريبة، وزيادة أسعار الوقود، انصراف نسبة مهمة من زبائنها، والبديل عنها سهل وبسيط وفي المتناول، اصنع قهوتك بنفسك، آلة قهوة، ويتوافر منها أنواع بأسعار مناسبة، وشراء قهوة طازجة بسعر معقول، إضافة إلى التوفير، ستضمن نظافة ما تتناوله، وقد شاهدنا مقاطع لما حصل وقد يحصل في مثل هذه المحال.
نعم ارتفعت التكاليف، لكن الرفع لا يكون بمثل نسب انتهزتها بعض المحال المشهورة، وعلى كل منتجاتها! والأمر ينطبق على المطاعم وبعض المخابز، من حاول امتصاص الارتفاع والتعامل معه باحترافية لبناء علاقة أوثق مع زبائنه سيربح أكثر، وإذا كان التجار يربون الزبون بالتعامل كما يقال، يمكن للمستهلك أن يمارس دوره التربوي، فالسوق مفتوحة، وإدمان «اسم تجاري» خطأ شائع.

نُشِرت في الحياة | التعليقات على عشاق القهوة مغلقة

الدعم مع الترشيد

الدعم الذي وفرته القرارات الملكية الأخيرة، سيخفف من أثر ضغوط تكاليف المعيشة على المواطن، بعد رفع أسعار الوقود، وضريبة القيمة المضافة، فمن تحمل الدولة الضريبة في التعليم الأهلي، والقطاع الصحي الخاص عن المواطن، إلى عودة صرف العلاوة السنوية للموظفين، ومبالغ مقطوعة للعسكريين والمدنيين والمتقاعدين. وفرض ضريبة القيمة المضافة على التعليم الأهلي والقطاع الصحي الخاص كان مستغرباً إلا أن وزير المالية أجاب عن السبب بقوله إن «المؤسسات الدولية» توصي بعدم استثناء قطاع تلافياً لحدوث تشوهات اقتصادية في التطبيق، حسب ما فهمت من حديثه التلفزيوني مع الصديق المتألق خالد مدخلي، واعتقد أن توصيات المؤسسات الدولية ليست كلاماً منزلاً، فيمكن أن نختار منها ما يناسبنا ونترك ما تم تجربته في بلدان أخرى، وثبت أثره السلبي. لذلك فإن استمرار مراجعة القرارات والتأكد من آثارها الإيجابية لتعظيمها، وآثارها السلبية لتلافيها، ضرورة في هذه المرحلة أكثر من غيرها. بقي على المستهلك، ما ليس منه مفر، أي ضرورة الترشيد في مصروفاته كلما أمكن ذلك بتنظيمها، فلا تشتري إلا ما تحتاج إليه فعلاً ولا تغرك العروض والإعلانات، وهي ليست بالمهمة السهلة بعد تعود طويل على نمط الاستهلاك العالي، و«اصرف ما في الجيب يأتي ما في الغيب»، وبالنسبة للعاطلين عن العمل لا تنتظر وظيفة، فالانتظار مقتلة للهمة والأمل، وإذا حاولت المبادرة بعمل، ولو رأيته بسيطاً، ربما تكتشف لاحقاً ما يغنيك عن الوظيفة.
تبقى فئات اجتماعية يجب مراعاتها، وتلمس حاجاتها، والبحث عنها، وزارة العمل والتنمية الاجتماعية وضعت خدمة بعنوان «وصال» للوصول إلى المتعففين للإبلاغ عن الحالات، التي تعرف عن أوضاعها من خلال موقع الوزارة https://sd.mlsd.gov.sa/ar/،
ومن واجب كل من يعلم عن مثل هذه الحالات أن يبادر إلى الدخول، وتسجيل معلومات عنهم، والموقع لا يتطلب أي مستندات لذلك.
 

نُشِرت في الحياة | التعليقات على الدعم مع الترشيد مغلقة

الانتهازية أمام مفترق الطرق

ما هي الأضرار التي أصابت الولايات المتحدة وإسرائيل من سياسات وتدخلات نظام الملالي الإيراني في الدول العربية؟
هل لهذا السؤال أن يطرح؟ والكل يرى أن إيران قدمت خدمات جليلة لإسرائيل في مختلف الدول العربية، التي تغلغلت فيها، إذ تم تفتيت دول عربية على يد الثورة الطائفية المصدرة من طهران، وأشغلت دولاً أخرى بمواجهة الصلف والغرور الإيراني، فلم تمس إسرائيل برصاصة ولم يخرج الخطاب الإيراني عن النص، إذ بقي ملتزماً بحدود الحرب الإعلامية، مستخدماً فلسطين والقدس رافعة شعوبية لمغامراته.
أما الولايات المتحدة فهي المستفيدة من طموحات إيران العسكرية بمزيد من بيع السلاح للدول المستهدفة من إيران، والظهور بمظهر الحليف، وهي من دعمت هذا النظام، وقدمت له العراق على طبق من ذهب، لذلك فإن بقاء نظام خامنئي يصب في مصلحة واشنطن وتل أبيب، بل إن تصريحات البيت الأبيض والساسة الأميركيين، التي تدعم المظاهرات الإيرانية، تصب في مصلحة الحشد الداخلي لمصلحة نظام خامنئي ضد معارضيه.
التصريحات من تركيا هي التي أجبرت على ذكر الحقائق السابقة، فالحكومة التركية دعمت النظام الإيراني بعدد من التصريحات عن المظاهرات في المدن الإيرانية، مؤكدة أن واشنطن وتل أبيب وراءها، هذا الموقف فاجأ البعض، لكنه في واقع الأمر عبر تعبيراً دقيقاً عن انتهازية السياسة التركية ووصولها إلى مفترق طرق، بين شعارات ترفعها في أحداث عربية مماثلة، وبين ما يحدث في إيران، إذ تخاف أنقرة من امتداد النار إلى أراضيها، هذا من حقها، لكن الكيل بمكيالين بهذه الصورة المكشوفة عرى انتهازية وشعبوية السياسة التركية في المنطقة العربية.
 

نُشِرت في الحياة | التعليقات على الانتهازية أمام مفترق الطرق مغلقة

ارتدادات المشهد في إيران

في أول ظهور له بعد أيام متوالية من الاحتجاجات الغاضبة في إيران، اتهم خامنئي المحتجين بالعمالة للخارج، وكان من المتوقع أن يلجأ إلى امتصاص غضب الشارع إلا أن وهم «حيازة الثورة» دفع للهروب إلى الأمام، والمتوقع أن يحدث الخطاب رد فعل أقوى في الشارع كما سيطلق يد قوى بطش النظام ضد المتظاهرين.
لكن من جانب آخر، التظاهرات المتصاعدة لها صدى وأثر مهم خارجها خاصة في سورية وصعدة اليمن وضاحية بيروت. كل الأذرع التي صنعها نظام خامنئي في الدول العربية في حالة ترقب وقلق مغلف بالصمت، وكل يوم جديد من انتفاضة الشعوب الإيرانية يزيد الضغوط على قيادات هذه القوى التي تعودت على صدارة مشهد الدعاية لإيران وتنفيذ مخططاتها في العالم العربي. ارتدادات الانتفاضة في إيران يجب استغلالها عربياً، ولا شك في أن الحالة المعنوية في انحدار والعيون على ما يحدث في قم وطهران، وآخر الأخبار التي أوردها معارضون من الأحواز أنه تم الاستعانة بميليشيات طائفية من عرب اللسان لقمع الاحتجاجات في الأحواز، وهو أمر متوقع فالنظام الخميني بارع في استخدام الأدوات وقد عمل لعقود على صناعتها وتربيتها.
توفر الأوضاع في إيران فرصة سانحة للقوى العربية الوطنية في كل الدول التي تغلغلت فيها ميليشيات إيرانية سواء في العراق او اليمن او لبنان وكذلك سورية، مع الاختلاف في واقع كل دولة تعاني من تدخلات إيران، إلا أن العامل المشترك هو فرصة استعادة السيادة الوطنية واجتثاث كل عملاء إيران حتى لو غيروا أقنعتهم، لا ينسى أنه ومنذ شهور مضت أن صور خامنئي وخميني وروحاني كانت ترفع باحتفاء شبه رسمي على الأعمدة في شوارع عواصم عربية، وهي الصور ذاتها التي تحرق الآن في طهران ومشهد وغيرها من المدن الإيرانية. وهناك دور لوسائل الإعلام العربية الحقيقية في أن تتوجه بالتركيز في رسائلها الإعلامية على حواضن العمالة لإيران في العالم العربي، يجب أن يعلم المغرر بهم من حطب الميليشيات ومؤيديها في الدول العربية، أن القوة التي صنعت ودعمت قيادتهم في مهب الريح، وأن الشعب الإيراني قد ينقلب عليهم هم أيضاً ويحاسبهم مستقبلاً وهذا ليس ببعيد.

نُشِرت في الحياة | التعليقات على ارتدادات المشهد في إيران مغلقة

في إيران… ارتباك الغرور

من الجلي أن السلطات الإيرانية فوجئت بحجم التظاهرات وسرعة انتشارها وأيضاً نوعية شعاراتها المرفوعة، بما فيها استهداف رمز نظام الملالي المرشد الفقيه. الولي «المقدس» تم إحراق صوره وارتفعت الأصوات تطالب برحيله أو الموت له، على رغم محاولات بعض المسؤولين إلقاء مسؤولية الأزمة الاقتصادية الخانقة على حكومة روحاني إذ قال أحدهم «لو نفّذت توجيهات قائد الثورة في الاقتصاد المقاوم لما حدثت المشكلات الاقتصادية».
وتستفيد السلطات الإيرانية حالياً في مواجهة الاحتجاجات المستعرة من التصريحات المؤيدة للمتظاهرين التي يطلقها المسؤولون الأميركيون وفي مقدمهم الرئيس دونالد ترامب على أنها دليل على الأصابع الخارجية. ولا ننسى أن معظم سكان إيران فطموا على شعار «الموت لأمريكا» وأنها العدو الأكبر لهم.
لكن كيف يفاجأ نظام شمولي مستبد ومتمكن لعقود باحتجاجات بهذه القوة والجرأة الشعبية، مع تغلغل أدواته الاستخباراتية المتعددة في المجتمع الإيراني وسيطرته على الاقتصاد؟
أعتقد، والله أعلم، أن من الأسباب حالة الغرور والصلف التي وصل إليها النظام بعد نجاحاته في اختراق النسيج الاجتماعي العربي في العراق ولبنان واليمن، وتمكنه من استخدام غطاء القوة الروسية مدعومة بميليشيات المرتزقة الطائفية في فرض أمر واقع في سورية.
الوصول إلى هذه النتيجة أو «الانتصار» المزعوم كان له ثمن ضخم ومكلف في الداخل الإيراني، فمن أجل تحقيقه قدم نظام الملالي للشعوب الإيرانية الوعود تلو الوعود في حين وظف إمكانات البلاد لتصدير الثورة ومزيد من التسلح. الغرور يصيب بالعمى والنشوة، إذ كانت عيون نظام الولي الفقيه على التمدد للسيطرة على الدول العربية، متغافلاً عن أحوال شعوب إيران الذين لم يكن لهم وظيفة عنده سوى تحقيق طموحاته.
وصل النظام إلى لحظة الحقيقة ومهما كان مآل الاحتجاجات فإن النتيجة المؤكدة أن نظام الملالي في حالة حرجة لم يمر بمثلها منذ نزول الخميني في طهران قادماً من فرنسا.
للكاتب
Tags not available

نُشِرت في الحياة | التعليقات على في إيران… ارتباك الغرور مغلقة