الاختراعات ونفخ الذات

هل توافقني الرأي على أن «أخبار» الاختراعات المحلية والمخترعين لم تعد تحقق أثراً إيجابياً في نفسك؟ ثم ألا ترى معي أن فيها كثيراً من «الهياط»؟
وضعت «أخبار» بين قوسين لأنها في الغالب الأعم لا تحوي الشروط المهنية الدقيقة للخبر. معظمها يأتي في شكل إعلانات لنفخ الذات، وهي تصدر من أفراد مدعومين من منصات، أحياناً تكون لها صفة رسمية، والهدف منها هو الإبهار ولفت الأنظار، فالجهة تلمع نفسها والأخ يتصدر التلميع، وقد تم الخلط بين فكرة لازالت جنيناً أو حتى نطفة واختراع مستوفي شروط الإنجاز والابتكار أو حتى التطوير.
إن من السهل الرد على انتقاد أخبار لا رأس لها ولا أقدام عن اختراعات من هذا وذاك بالحديث عن أعداء النجاح، لكن هذا لا ينفع إلا لهواة الجدال، من جماعة «خلونا نفرح وبعدين نتفاهم».
لقد أدى نفخ الذات هذا من أفراد وجهات إلى ضياع الحقيقة، وجعل قضية الابتكار والاختراع قضية سهلة في المتناول، وكأنها عملية حفظ نشيد، وكما تطرد العملة الرديئة الجيدة يطرد المتوهمون أنهم مخترعون، والمدعومون من منصات إعلامية أو واسطات، يطردون من يؤمل منهم تحقيق إنجاز حقيقي. وهذا ليس من المصلحة العامة، وأثره السلبي كبير على الصدقية والثقة بحقيقة الإنجاز إن وجد.
أدعو إلى ترشيد أخبار الاختراعات وإلى منع ظهور من يدعي اختراعاًَ، إلا بعد مروره على جهة موثوقة متخصصة رسمية، أما من لديه أفكار فلا بد عند الإعلان عنها أن يؤطرها بحالتها الجنينية.

نُشِرت في الحياة | التعليقات على الاختراعات ونفخ الذات مغلقة

اليمن بعد إعدام صالح

في الظاهر المعلن كل الأحزاب السياسية اليمنية والنخب من الشمال والجنوب ضد الحوثي، لكن الخلافات في ما بينها لم تجعل لهذا الاتفاق على «العدو» قيمة فعلية، رغم تغوله ووحشيته خلال السنوات الماضية مع ارتباطه الصريح بإيران على حساب عروبة اليمن وسيادته وتهديده الاستقرار في المنطقة.
الجنوبيون لديهم مشاكل وخلافات مع الشماليين وفي داخل كل طرف ركام من الخلافات والتوجسات وعدم الثقة، ولهذا أسباب يمكن تفهمها وتجب معالجتها أو تبريدها بسرعة ومسؤولية خاصة من السياسيين اليمنيين أنفسهم. وأعتقد أن على التحالف العربي العمل الجاد على بناء الثقة بين الخصماء السياسيين في اليمن لتوحيد الصف ضد الميليشيات الحوثية الإيرانية، ولتكن قاعدة الثقة هي عدم التعامل مع إيران أو العلاقة المشبوهة بها أو بعملاء لها من أي لون كانوا، ومن هذه القاعدة ولتحقيق هدفها يمكن بعدها طرح التوجسات.
ولا بد لكل طرف من تقديم تنازلات، وإذا كان لبعض الجنوبيين بعد تاريخ من الوحدة وملابساتها تطلّع إلى تقرير المصير فمن حقهم ذلك لكن هذا يأتي بعد اجتثاث الحوثي عسكرياً وسياسياً… إن القبول بالحوثي حتى كحزب سياسي خطر كبير على اليمن وجيرانه، وفي مقدمهم السعودية، لأن تاريخ الجماعات الطائفية التي زرعتها إيران يخبر عن جوهر وسبب إنشائها.
من الواضح خلال السنوات الماضية، برغم ما حل باليمن من الحوثي وصالح، وحتى بعد حادثة إعدام الأخير، أن لا احتمال لتوحد القوى السياسية في اليمن حتى تحت لواء الشرعية الضعيفة، ولا يبدو في المستقبل المنظور أي تغير ملموس، وهذا ليس من مصلحة اليمن العربي ولا مصلحة دول التحالف العربي.

نُشِرت في الحياة | التعليقات على اليمن بعد إعدام صالح مغلقة

متلازمة المناكفة

أصبح «الطيران في العجة» هو الحال السائدة سواء في وسائل التواصل الاجتماعي أم وسائل الاعلام، وصار بالإمكان صناعة موجة او زوبعة إعلامية حول قضية ما حتى ولو كانت عابرة للحدود، بسهولة ويسر اذا ما توافر لها مجندون في الخفاء لديهم هدف محدد، ولأن متلازمة المناكفة هي السائدة أمكن بسهولة ويسر النجاح في الاستدراج الإعلامي للكثير من مستخدمي وسائل التواصل ابرزها تويتر، والغريب ان من هؤلاء من يصنفون اعلاميين او مثقفين لديهم في المفترض الخبرة في التأثر والتأثير، لكنهم في ما يبدو انجرفوا مع الموجات ويخفي ذلك في باطنه تطلعا لتحقيق أثر في دائرة الأكثر متابعة والأقوى تأثيرا واعجابا، لكن الواقع ان الأثر السلبي من مشاركة هؤلاء بالذات وخضوعهم للرياح النشطة له تأثير مدمر ويحقق اهداف صانع الزوابع، لأنه يزيد من اتساع الموجات وتجذيرها، اعود لهذا الموضوع مرة أخرى لأهميته، ولأنني أرى ان الاستدراج الإعلامي بغرض التشويه واستهدافنا وصناعة الكراهية من حولنا يحقق نجاحا كبيرا، وللأسف فإن وقوده وحطبه في الغالب هم من ربعنا، ولا يقلل من المسؤولية في أثرها السلبي المتحقق القول ان الغرض الدفاع عن الوطن، لأن للدفاع أساليب مختلفة واللغة المستخدمة واحدة منها والأصل فيه عدم ترديد ما يهدف الى ترسيخه الأعداء في العالم الافتراضي، لينتقل لاحقا الى العالم الواقعي.
ان من السهولة بمكان وضع صورة مسيئة او هاشتاغ مستفز لا يعلم من صنعه وأهدافه لينجرف الكثير وراءه بدعاوى الرد عليه، والنتيجة انه يتسيد المشهد ويحقق هدف المغرضين.
 

نُشِرت في الحياة | 2 تعليقان

اللئيم والتمرد

يعزي البعض أنفسهم ببيت الشعر العربي الشهير، عند كل موقف يرون فيه غدراً أو جحوداً ونكراناً للجميل، إذا أكرمت الكريم ملكته، وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا، لكنهم في واقع الأمر يدارون خيباتهم في الاختيار وفشل بوصلة فراستهم، لأن الفارق بين الكريم واللئيم مسافات ضوئية لا تحتاج إلى كثير من الفحص والتدقيق، كما ان هناك ألواناً من الخصال متعددة ما بين الكريم واللئيم، فاللؤم يفضح صاحبه ويظهر في كل تصرفاته حتى البسيطة منها، له بريق حاضر في العيون يلمع، لا تخطئه العين السليمة، وهو خصلة، حتى لو تم إخفاؤها بمهارة، تظهر وتطفح، وإذا كان الشخص لئيماً مع غيرك فهو لا بد سيكون عند أول فرصة لئيماً معك، التوقيت وتقلب أحوال العلاقة هما ما يحددان لحظة إعلان لؤمه.
واللئيم يجاهر بلؤمه عند شدائد تصيبك أو عند استغنائه عنك، فلو كنت في منافسة مع آخر، وهبت رياح لمصلحته، فستجد أن صديقك أو موظفك القديم أو حتى رفيقك اللئيم لا ينحاز إلى صفه فقط، بل يقدم له كل ما لديه ضدك، فهذه هي أوراق طلب الاعتماد. اللؤم لدى اللئيم رأسمال، ومن أدوات التسلق، فإذا كنت قد «استثمرت» في رأس المال القذر هذا فلا تلومن إلا نفسك، واترك الكريم في حاله لا تضعه في مقارنة بائسة وظالمة مع لئيم.

نُشِرت في الحياة | التعليقات على اللئيم والتمرد مغلقة

النزاهة تهمة غير معلنة

هناك موظفون كرام سواء في القطاع الحكومي أم القطاع الخاص قاوموا الفساد أو حاولوا مقاومته كل بحسب قدرته، لا شك في أن مثل هؤلاء قد دفعوا ثمناً كبيراً من صحتهم ومن فرصهم الوظيفية في الترقيات وغيرها وحتى من علاقاتهم الاجتماعية، وظيفياً التجميد كان أبسط الأساليب لإبعاد من لا ينضم إلى دائرة الفساد، أو بالتلذذ في الاستهداف الوظيفي، في مثل هذه البؤر ينظر إلى النزاهة كمرض يُتخوف من عدواه، وليس هناك أصعب على الموظف النزيه من العمل وسط بؤرة فساد، خصوصاً حينما يكون رئيس الدائرة أو الجهاز الحكومي جزءاً من هذا الفساد بالخفاء طبعاً، لا شك في أن مثله يختنق كل يوم.
لكن الإجراءات العملية والكبيرة التي اتخذتها اللجنة العليا لمكافحة الفساد قلبت الصورة، وأعادت للنزاهة الوظيفية صورتها الناصعة، التي هي في المفترض السلوك الطبيعي للموظف رجلاً كان أو امرأة يعمل في القطاع العام أو الخاص، لكنه سلوك لا يحفظه سوى القوانين، فلا توعية ولا وعظ سيحقق نتيجة تذكر.
في زمن مضى، كان النزيه يتحدث – إذا تحدث – بصوت هامس عما يجري في عمله من خروقات للأنظمة، وتلاعب فيها، وبحث عن ثغرات للنفاذ منها إلى الثراء غير المشروع، كان الهمس أو الصمت هو السبيل لاتِّقاء الضرر المحتمل، الآن تغيَّرت الصورة، وإن احتاجت إلى وقت وقدوات لتترسَّخ، مع ضرورة استمرار جهود فرض القانون ومعالجة ثغراته ليكتمل التغيير، وليصبح الفساد استثناء منزوياً غير قادر على تسيُّد المشهد.
 

نُشِرت في الحياة | التعليقات على النزاهة تهمة غير معلنة مغلقة